لقد قرأ كثير من الناس تلك المقالات وسفّه بعض الجهلة ما جاء فيها من معلومات وحقائق تاريخية لم يكن أحد يجرؤ أن يُقدم على تناولها، ومنها حقيقة تقلي قبيلة أم منطقة؟ حيث، أكدت وقتها أن اسم تقلي هو عبارة عن اسم للمنطقة بصورة عامة وليس اسمًا لقبيلة بعينها والواقع الاجتماعي والشواهد التاريخية تؤكد ذلك، ولذلك نحن نضرب صفحاً عن جهالات بعض المتنطعين.. إن الذي جعلني أذكر هذه الحقائق أن تحليلي للوضع القائم في تلك الفترة لم يكترث له كثير من الناس، بل مضى بعض أبناء المنطقة إلى تمني وصول الحرب إلى المنطقة. وهنا أذكر مرة أخرى المذكرة السرية التي بعث بها بعض قيادات إمارة تقلي من العباسية إلى الهالك قرنق أيام أسمرا قبيل انطلاق مفاوضات نيفاشا وقد عثرنا على تلك المذكرة وناقشناها بحضور بعض قيادات المنطقة مع بعض أعضاء المجلس الوطني «وقتها» من أبناء المنطقة، وأذكر أني قد وقفت موقفاً معارضاً للمذكرة ومعي كثير، ثم كتبت فيما بعد في تلك المقالات أنها «خيانة وتزوير لإرادة أهل تقلي»، حيث ملخص المذكرة التي رُفعت وقتها إلى قرنق تقول «تقلي معك» وكان هذا تزويرًا وكذبًا وادعاء.
الناس يذكرون أيضاً أني كتبت تلك المقالات «مشروع السودان الجديد يوسوس في تقلي المؤمنة» تزامناً مع انطلاقة المؤتمر الذي سُمي زوراً بمؤتمر قبائل تقلي» والذي استضافته مدينة العباسية، وقد كتبت عن هذا المؤتمر وقلت إنه مؤتمر دعت إليه الحركة الشعبية ونسَّقت له وموَّلته من أموال الدعارة والمنظمات الجاسوسية التي هي في الواقع عملاء لاستخبارات الحكومات الأوروبية والأمريكية، ثم غُلف زوراً بغطاء مؤتمر قبائل تقلي، هذا المؤتمر مُورست فيه عمليات إقصاء واسعة لكثير من القبائل والقيادات، لأنه كان مخططاً له أن تُطرح فيه قضية هُوية تقلي وقضية دخول المنظمات الإنسانية الأجنبية، وقضية التنصير والكنائس»، ولذلك أُبعدت عناصر هم يعرفون موقفها الصارم من تلك القضايا.
إذن «مؤتمر قبائل تقلي» المزوَّر مثَّل نقطة انطلاق لتسويق أفكار الحركة الشعبية في المنطقة الشرقية وخُدع عدد كبير من أبناء المنطقة تحت أوهام التهميش ودعاوى مشروع السودان الجديد وأخذ الحقوق المتوهمة من المركز، وجدت هذه الأفكار رواجاً وتقبلاً لأسباب ذكرتها كثيراً وأشير هنا مرة أخرى إلى بعضها:
1/ انتشار الأمية في المنطقة وكثرة الفاقد التربوي.
2/ ضعف قيادة المؤتمر الوطني هناك في مساجلة خطاب الحركة الشعبية العنصري الإقصائي التحريضي.
3/ ضعف مؤهلات القيادات الدينية في الخلوات والمساجد حيث لم ينل أتباعهم العلم النافع الذي يحصنهم من الأفكار الهدامة.
4/ ضعف قيادة حكومة الولاية وانصرافها عن القضايا الأساسية، حيث أخذت بالنوافل قبل الفرائض.
هذه الأسباب وغيرها مكَّنت أفكار الحركة الشعبية وكان طبيعاً أن تزحف الحرب من المنطقة الغربية في جبال النوبة إلى المنطقة الشرقية بعد عشرين سنة من الحرب في جنوب كردفان ظلت خلالها المنطقة الشرقية آمنة ومستقرة، وقد فرّطت الحكومة في تفهم هذه المسألة فطال المنطقة الإهمال والحرمان بالرغم من أنها المغذي الرئيسي والأوحد لخزينة الولاية والدولة بجنوب كردفان بمواردها الثرة وقد كتبتُ كثيراً عن تلك الموارد أماكنها وتنوعها وأهميتها.
إذا كنت قد كتبت قبل «5» أعوام أن مشروع السودان الجديد يوسوس في تقلي المؤمنة، فاليوم أصبح تحالف مشروع السودان الجديد والجبهة الثورية يعيث فساداً في تقلي.. الديار الآن هناك «خرابة»، فكل شيء تم تدميره، الموارد والبنيات والطرق والأسواق والمدارس والمشافي، هدمت المساجد وأقيمت الكنائس، والقتل استحر في أهل المنطقة، والتشرد والنزوح وتفكك النسيج الاجتماعي، والآن المنطقة مرشحة لحرب أهلية لا ندري كيف تكون عاقبتها. الأمر الذي يحتم على الدولة والولاية الإسراع لمعالجة الموقف حتى لا نشاهد دارفور أخرى في المنطقة الشرقية، في ضوء هذا وتحوطاً من عواقب وخيمة قادمة لذلك، التأم لقاء حاشد من بعض قيادات منطقة تقلي بولاية الخرطوم لدراسة ورقة ضافية قدمتها لجنة كونها مجلس شورى قبائل تقلي حيث التقى هذا الحشد بالمهندس آدم الفكي محمد الطيب والي ولاية جنوب كردفان يوم السبت الماضي بقاعة المجلس التشريعي لولاية الخرطوم وقد حضر اللقاء أيضاً السيد وزير الشباب والرياضة بولاية الخرطوم الأخ الطيب حسن بدوي والسيد غريق كمبال معتمد الرئاسة بولاية جنوب كردفان والسيد آدم الخليل معتمد محلية الدلنج والسيد علي قيدوم رئيس الحركة الإسلامية بولاية جنوب كردفان والسيد أبشر رفاي رئيس الهيئة الشعبية لتطوير المنطقة الشرقية وعدد من الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي لجنوب كردفان وقيادات المنطقة والإدارة الأهلية ولفيف من الشباب وقيادة المرأة، وذلك بعد الأحداث التي دارت في منطقة الموريب ومنطقة أم مرحي مسيد الشيخ أحمد الخليفة، عمليات تقوم بها الجبهة الثورية هناك وقد أبلت القوات المسلحة بلاءً حسناً وكبدت قوات التمرد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
نواصل.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش