صحيح أن جوبا قالت رسمياً أنها ليست طرفاً فى العملية، وصحيح أيضاً أن الحكومة الجنوبية لم تقدم أي دعم لوجستي أو مشاركة فعلية واضحة فى العملية، ولكن بالمقابل هنالك ما يثير الارتياب بشأن نظرة جوبا الى نتائج عملية الاستفتاء وما قد يترتب عليها من مغالطة أو تغيير فى المواقف.
نائب السفير الجنوبي فى الخرطوم (كاونك مقير) قال في تصريحات صحفية الأسبوع الفائت إنه على الرغم من عدم وقوف بلاده مع العملية التى جرت وان المشاركين فى عملية الاستفتاء لا يمثلون أحزاباً سياسية أو جهات معينة وأنهم ذهبوا للعملية فقط كمواطنين وسكان للمنطقة؛ فإن من الضروري -حسب رأيه الشخصي- أن تؤخذ نتيجة الاستفتاء بعين الاعتبار من قبل رئيس الدولتين!
ويبرر نائب السفير الجنوبي ذلك بأن هؤلاء المواطنين سبق لهم وأن شاركوا -بإسم حكومتهما- فى الاتفاقات والمفاوضات الموقعة بين الدولتين! وطلب الدبلوماسي الجنوبي فى ختام تصريحاته الصحفية بأن (يجلس الأطراف الثلاثة للتعبير عن رأيهم فى نتيجة الاستفتاء)!
ولعل غرابة هذه التصريحات الجنوبية تكمن فى أن ما تم من إجراءات استفتاء ليس فقط مخالفاً للقانون ولكنه تم بعيداً جداً عن أي آليات رسمية صحيحة متفق عليها إقليمياً ودولياً، فكيف إذن يتم (النظر في نتيجة استفتاء كهذا)؟
فلو أن السيد (مقير) كان يطلق لخياله ورأيه الشخصي العنان في قضية خطيرة للغاية كهذه فإن الدبلوماسيين كما جرت التقاليد لا يطلقون ألسنتهم فى القضايا العامة على النحو الذي فعل، إذ ليس من حق الدبلوماسي أن يطلق آراؤه الشخصية فى قضايا حساسة كهذه.
وبالمقابل فإن هذا الرأي الذي أطلقه السيد (مقير) يعني باختصار شددي أن الحكومة الجنوبية -عاجلاً أم آجلاً- سوف تولي اهتماماً (خاصاً) لنتيجة الاستفتاء، وهذا ربما يعود إما لمخاوفها من أن تفقد تأيد سكان المنطقة، خاصة وأن كبار قادة المنطقة هم الآن ضحايا لإجراءات حكومية اتخذتها حكومة سلفا كير ضدهم أو لأسباب تتعلق بمحاولة طيّ صفحات هذا الملف بأي ثمن استناداً الى ما يقول به رأي سكان المنطقة من رعاياها هي وحدها.
وعلى ذلك يمكن القول إن الحكومة الجنوبية فى الواقع وفي حقيقة الأمر ليست بمنأى عن ما تم من إجراءات، وربما كان يناسبها مستقبلاً أن تحاجج بنتيجة الاستفتاء باعتبارها (دليلاً اضافياً) على أحقية ضم المنطقة الى دولة الجنوب.
وليس بمستعبد فى هذا المنحى أن تكون جوبا (على تنسيق مسبق) وبطريقة سرية خالصة مع قادة المنطقة لوضع الخرطوم والمجتمع الدولي بأسره أمام فرضية الأمر الواقع، إذ لا تزال كنانة جوبا حافلة بالسهام المسمومة الشديدة الإيذاء !
سودان سفاري
[/JUSTIFY]