د. عارف عوض الركابي : «حواشٍ» على «متونٍ» للدكتور غازي..«1»

[JUSTIFY]أعلن د. غازي صلاح الدين في بعض اللقاءات التي أُجريت معه ببعض الصحف وفي صفحته الرسمية على موقع التواصل «الفيسبوك» أعلن عن فكرتهم في إنشاء حزب.. ونشِط نشاطاً كبيراً في نشر كثير من مقالاته وآرائه في هذه القضية.
وقد اطلعت على بعض ما قام بنشره، فأردت أن أقف معه وقفات، انطلاقاً من توجيه الشريعة بأن «الدين النصيحة» وقد جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام بايعه على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم.
ولمّا كان ما نشره وينشره الدكتور غازي في هذه الأيام كثيراً، ويصعب حصره والوقوف معه، رأيتُ أن أدوّن ما لدي من وقفات في شكل «حواشي» حيث ستكون موجزة ومختصرة.. وما أنقله عن الدكتور غازي في هذه الوقفات هو منشور في صفحته الرسمية.
٭ قال الدكتور غازي: «البيعة لا تمنعنا من قول رأينا وقد تم «طردي» من المؤتمر الوطني بإرادة أشخاص قليلين والمكتب القيادي يمرِّر ولا يقرر..».

قلت: يمنعك أخي الدكتور غازي من قول رأيك إذا كان فيه قدح في ولي الأمر أو تفريق لاجتماع الكلمة على الحاكم يمنعك من ذلك نصوص شرعية وردت عن خير البرية محمد عليه الصلاة والسلام.. والنصوص التي تدعو لعدم الخروج على الحاكم سواء الخروج باللسان أم الخروج بالسنان هي نصوص ثابتة توجب على كل «مسلم» العمل بها وامتثالها، والشرع وجّه لذلك لتحقيق مقاصد شرعية.. والدكتور غازي أو غيره من أعضاء الحركة الإسلامية أو غيره من زملائه ليسوا بخارج التوجيهات الشرعية التي ثبتت في الشريعة.. وإن فتنة الخوارج لهي من أعظم الفتن في التاريخ الإسلامي، وقد بين العلماء أن طائفة «الخوارج القعدية» من أسوأ أنواع الخوارج فإنهم يعددون أخطاء الحاكم ويملأون القلوب لتبغضه وتكرهه حتى يخرج الناس على حكامهم بأسلحتهم.
لقد عدّد الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ الفرق الضالة فقال: «القعدية»: (الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك). وفي كتابه «تهذيب التهذيب» يعرف بهذا النوع من الخوارج فيقول: «القعدية»: (والقعد الخوارج كانوا لا يروْنَ بالحرب بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه).

وأما أحاديث وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في المنشط والمكره وإن كان في ذلك أثرة.. بل وإن جلد الظهر وأخذ المال، فلا أظنها تخفى على الدكتور غازي، فهي نصوص محكمة غير منسوخة، ومدلولاتها مجمع عليها، قال ابن أبي العز الحنفي: «وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل. فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل..).

وقال النووي: «فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيُعْطَى حَقُّه من الطاعة، ولا يُخْرَج عليه، ولا يُخْلَع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه».

٭ وقال الدكتور غازي: «… مشكوك في نزاهته ونزاهة بعض أعضاء.. وما تتوصل إليه لن تكون إلا تصفية حسابات الرسالة التي أرسلها المؤتمر الوطني أنه يرفض فكرة الإصلاح ابتداءً وهو أصلاً كان يرفضها وكل الأفكار التي يطرحها غير صادق فيها فكرة القاعدة العريضة للحكومة وفكرة التوافق الوطني».

أقول: ليعلم الدكتور غازي أن هذا الأسلوب إذا عرض على ميزان الشرع فإنه غير مقبول، فالشرع أمر بالصبر، كما أن النصيحة لا تكون هكذا، وقد وجّه النبي عليه الصلاة والسلام: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه» رواه ابن أبي عاصم في السنة وصححه الألباني.. وهذا فعل السلف منذ عهد الصحابة قبول هذا التوجيه النبوي، وأنه بذلك يتحقق ما أراد الناصح بنصحه بإذن الله، فالنصيحة العامة كما في هذا المقام تعتبر من «الفضيحة» وقد ألّف الحافظ ابن رجب رسالة قيمة سمّاها «الفرق بين النصيحة والتعيير».. ولا يُخفى على الدكتور غازي وهو من تقلّد مناصب رفيعة في الدولة.. أن نصح المسؤول ليس كنصح غيره من عامة الناس.. كيف والدكتور غازي ينشر مآخذه وانتقاداته بل «تخوينه» أمام الملأ وعبر صفحات الصحف و«أسافير» الانترنت؟!

فليسعك يا دكتور هدي النبي عليه الصلاة والسلام.. فهو سبيل السلامة وطريق الإصلاح.. ومهما رأينا من طرق للإصلاح فلن نصل إلا بما صلح به أول هذه الأمة.

٭ وجاء عن الدكتور غازي في صفحته: «وذكر أن الباب بات الآن مفتوحاً واسعاً أمام إنشاء حزب سياسي جديد، وأنهم قد اتخذوا قراراً بطرح صيغة حزب يقدم بديلاً محترماً يحمل أملاً جديداً للسودان».

لماذا يا دكتور غازي تضع نفسك في أحد أمرين: إما أن تكون في الحكم أو تجتهد لتكون بديلاً للحاكم؟! ألا تسعك الثالثة؟! وهي أن تكون أحد الرعية.. وتحمد الله على البراءة من المنصب الذي هو تكليف مخيف وليس بتشريف.. ألا يسعك ما وسع سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه الذي تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وسمي عام الجماعة لاجتماع الشمل، ورضي الحسن لمصلحة الجماعة أن يكون واحداً في رعية معاوية رضي الله عن الصحابة أجمعين.. وبذلك تحقق ما أخبر به المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال فيما رواه البخاري: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين».. هكذا تعلمنا الشريعة.. وتضع لنا «حدوداً» وتفرّق بين «المصالح الخاصة» و«المصالح العامة» !!

لماذا تُصرُّ يا دكتور أن الخيار الثالث ليس لديك في الحسبان فقد قلت:
«وبالتالي أصبح الخيار الثاني هو الخيار المتاح، ونحن لم نتخذه ردة فعل، بمعنى أننا لا نملك خياراً غيره» وهو خيار إنشاء حزب.. فأقول للدكتور غازي اسأل ثلة كبيرة لا تخفى عليك من الدعاة السائرين على منهج السلف الصالح عن المتعة واللذة التي يجدونها في دعوتهم للناس في المساجد وفي قيامهم بمهمات الإصلاح في الكليات والمدارس وفي أماكن عملهم ووسط مجتمعاتهم.. لتعلم أن خياراً ثالثاً حرص عليه كثيرون في التصفية والتربية بتصفية الدين مما ألصق به من الشركيات والبدع وتربية الناس من الناشئة والشباب على الإسلام الصافي الذي أرسل به محمد عليه الصلاة والسلام.. ولِيُعْلم أن هذا هو طريق «الإصلاح» الحقيقي.. وغيره من الطرق ما هي إلا «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً».

٭ ومن عجائب ما جاء به الدكتور غازي في رسائله المتتالية أنه يصرح أن الحزب الذي يدعو إليه لا يعنى بأمر العقيدة وما يسمى بــ «الأيدلوجية»!! واجتهد لتوضيح طرحه «المخجل» في هذه القضية، وأنه يريد كياناً لكل السودانيين.. ومع أن منهاج الحركة الإسلامية لا يعنى بأمر العقيدة ولا التربية عليها وترى الجمع من كل الطوائف وهو مما ينتقد على الحركة، إلا أنها كانت في مراحل لها مواقف من الشيوعيين واليساريين والعلمانيين والجمهوريين.. مما لا يُخفى.. فهل وصل الحال إلى هذا الأمر أن يرفع الدكتور غازي أنه يريد كياناً لكل التوجهات، فالقاسم المشترك هو «الجنسية السودانية»؟! لقد رأينا ذات التوجه في مواقف المؤتمر الشعبي الذي تحالف مع الشيوعيين وكتبت سابقاً مقالين بعنوان: «المؤتمر الشعبي وتبريرات التحالف مع الحزب الشيوعي».. فهل سيكون للدكتور غازي صلاح الدين خطوة في إصلاح يدعيه وهو ينكر بفعله ما وجّه إليه القرآن الكريم من قضية الولاء والبراء؟! وهل يبارك الله في خطوة تقوم على مناقضة الثوابت والأصول في دين الله؟! فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.. وإذا كان الدكتور غازي يعيب في منشوراته هذه على غيره عدم العمل بالشعارات وأن البعض قد «تاجر» بشعارات الدين فهو يخط بيده ويكتب ويشهد على نفسه أنه حتى «الشعارات دون العمل» رماها خلفه ظهرياً بما يطرحه من عدم مراعاة أمر التوجهات والعقائد والمبادئ والأفكار.

فقد طرح عليه في صحيفة «المجهر» السؤال التالي:
٭ الظرف التقليدي لتأسيس الكيانات والتنظيمات السياسية في السودان ينحصر في مساري الطائفة أو الآيدلوجيا، فهل ستسلكون ذات المناهج القديمة، أم أنكم تخططون للسير في مسار جديد، خاصة في ظل التطورات المجتمعية والمعرفية؟

فأجاب الدكتور غازي بقوله: «نحن لا نؤمن بالآيدلوجيات وهي مقيدة جداً، وهي مشوهة للواقع كما يقال، لأن الإنسان يفسر الواقع حسب رؤيته هو، ويضطر إلى تشويه الواقع حتى يتوافق مع الآيدولوجيا التي ينطلق منها، وهذا شيء معروف. فضلاً عن هذا فإن كلمة الآيدلوجيا تعني أن الإنسان متخندق في موقف لا يستطيع أن يتخلص منه ولا يستطيع الفكاك منه. نحن لدينا خبرة سياسية واسعة ولدينا أفكار مرنة للتعامل مع أطروحات الساحة، قدمناها وسنقدم هذه الأفكار ونرجو أن يكون فيما سنفعله جديداً يؤدي إلى نجاح هذه التجربة، برغم أن احتمالات الفشل واردة أصلاً في أي مشروع. لكن نحن نعي مقومات النجاح أكثر مما نهتم بأسباب الفشل، وسنحاول تطويع مقومات النجاح حتى نقدم تجربة مفيدة للشعب السوداني وللتجربة السياسية السودانية».

وأواصل حاشية هذا المتن وغيره في الحلقة التالية إن شاء الله.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version