ما الذي دفع مدير شركة ضخمة مثل (سوداتل) إلى الترجل ،لكنه واجه في ما يبدو ضغوطاً وعقبات، والكثير من (الكلتشات)

يوم السبت أصدر مجلس إدارة مجموعة (سوداتل) بياناً مقتضباً، أعلن فيه قبول الاستقالة المقدمة من المهندس إيهاب إبراهيم محمد عثمان، الرئيس التنفيذي للمجموعة، وتكليف نائبه المهندس طارق حمزة بتصريف المهام، إلى حين تعيين رئيس تنفيذي جديد.

* بدءاً نذكر أن مجموعة (سوداتل) تمثل أكبر شركة مساهمة عامة في السودان، حيث تمتلك فيها الحكومة(ممثلة في وزارة المالية وبنك السودان)نصيب الأسد من الأسهم، علاوةً على عدد غير قليل من رجال الأعمال الكبارو13 ألف مساهم، بينهم الكثير من الأجانب.

* فاجأتني استقالة الأخ إيهاب، لأنني تشرفت بمعية عدد من الزملاء الأفاضل بمرافقة وفد المجموعة في زيارةٍ هدفت إلى تفقد استثمارات (سوداتل) في غرب أفريقيا، وقد بدت لنا الصورة زاهيةً ومشرقة، بالنجاحات الكبيرة التي حققتها شركتا (إكسبريسو) و(شنغيتل) في السنغال وموريتانا، وهما تتبعان بالكامل لمجموعة (سوداتل).

* في السنغال شاهدنا شركة سودانية الأصل، سنغالية الهوية، تتمتع بكل مزايا ومقومات شركات الاتصالات الكبيرة، بدليل أنها أنجزت في خمس سنوات ما أعجز رفيقةً لها، دخلت السوق السنغالية قبلها بعشرة أعوام.

* الحديث نفسه انسحب على (شنغيتل) التي تخطت المليون مشترك، في بلد يقدر عدد سكانه بأقل من أربعة ملايين نسمة، وبلغت حصة الشركة في سوق الاتصالات الموريتاني أكثر من ثلاثين في المائة.

* لذلك كله لم يفاجئنا أن ينجح المهندس إيهاب في دخول القصر الرئاسي ليحل ضيفاً على الرئيس مكي صال، في ذات اليوم الذي وطئت فيه قدماه مطار داكار، لينال شهادة الإجادة وكامل الدعم من رجل السنغال القوي.

* جمعتنا هناك جلسة مطولة مع إيهاب، الذي يستند إلى تأهيل عالٍ وخبرة نوعية في مجالي (البزنس) والاتصالات، من خلال تأهيله الأكاديمي المتميز، حيث تخصص في هندسة الاتصالات وحاز شهادتها من معهد نيويورك للاتصالات، ودرس في سويسرا، وحاز شهادة الماجستير من جامعة أكسفورد، ثم التحق بعد ذلك بأحد المصارف البريطانيةالكبيرة،وعمل لمدة عشر سنوات متصلة في شركة (جنرال إلكتريك) الأمريكية العريقة.

* بدا إيهاب واثقاً من نفسه، ومتفائلاً بمستقبل الشركة، وطرح أفكاره بطريقة مرتبة، ورسم صورةً مطمئنةً لمسيرة عملاق الاتصالات السوداني، داخلياً وخارجياً، وكنا نتمنى أن تتاح له الفرصة ليكمل ما بدأه، لكنه واجه في ما يبدو ضغوطاً وعقبات، والكثير من (الكلتشات) التي عاقته عن تنفيذ رؤيته الطموحة، ففضل الانسحاب، لتفقد بابتعاده (سوداتل) كفاءة مقتدرة، وعقلية شابة ومنفتحة.

* لا ندري ما الذي دفع مدير شركة ضخمة مثل (سوداتل) إلى الترجل عن قيادتها بعد 13 شهراً فقط، لكن ظاهر الاستقالة يشير إلى أن المهندس الشاب لم يحظ بما يكفي من العون والسند ليطبق أفكاره الطموحة.

* ولأنني أعرف المهندس طارق حمزة عن كثب، وأدرك قدراته العالية فإنني أتمنى أن يتولى المنصب الذي تربعت عليه شخصيات بارزة، أمثال الشهيد محمود شريف، وعز الدين أمين كامل، وعبد العزيز عثمان (الذي شغل المنصب لمدة خمس سنوات)، وعماد الدين حسين الذي حظي بما لم يتوافر لإيهاب من استقرار، إذ بقي مديراً للشركة سبع سنوات متصلة.

* الحضارات لا تزدهر إلا في عهود الاستقرار، وكثرة تبديل المديرين من شأنه أن يهز الصورة الذهنية لمؤسسة كبيرة مثل (سوداتل).

* لذلك نتمنى للقادم حظاً أوفر من الراحل، ومناخاً أهدأ، (وكلتشاتٍ) أقل
مزمل أبو القاسم — رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version