فقد اظهر تعلق صغيري هذا، نوع من الاختلاف الخفي الذي اجتهد في عدم اظهاره امام العيال بين اسلوبي ومنهجي في التربية كأم وبين فهم وطريقة ابيه في ذلك، أو على وجه العموم بين طريقة تربية النسوان (الامهات) المبنية على اللين، وبين طريقة الآباء في تربية الابناء المبنية على تعويدهم على القوة والصلابة والاعتماد على النفس .. فـ زوجي لا يرى بأسا في أن يسمح للصغير بأداء كل اوقاته بالمسجد دون حوجة لمراجعتي واخذ الاذن مني في كل مرة، بينما (لو خلّوها علي أنا) .. لكنت افضل بعد (تعاتيل) ان يكتفي بالذهاب لاداء صلاتي العصر و المغرب أما العشاء فـ إلا بصحبة رفقة مأمونة ..
وما ذلك التردد إلا لتنازعي بين خوفي عليه من شرور الطرقات، وبيني وبينكم .. لا يخلو الامر من امتلائي بمخاوف وأوهام النساوين عن (العين) و(النجيهة) .. الله يكفينا شرها ..
زمآآآآآن كان آباؤنا الاولين بيقسّمو البلد نصين .. فـ تربية البنات كانت شأنا نسائيا خالصا لا يتدخل فيه الرجال إلا بسن القوانين التي تحد من حريات الكواسة والدخلة والمرقة، ثم اختيار عريس البنت وتزويجها له بدون شورة ووجع دماغ، ومن ثم في المستقبل عقد مجالس الجودية لحل المشاكل بين الزوجين .. أما تربية الصبي فتكون منذ ولادته من واجب الأب، وكل ما يمت بصلة في توجية الابناء الصبيان يعتبر منطقة محرمة لا تحوم حولها النساء، فحتى عندما يخطيء الابن خطأ بينا في غياب ابيه .. تكتفي الامهات بإطلاق الوعيد المعلوم:
الليلة استنى لمان يجي ابوك !
وغالبا ما يكون في هذا الوعيد الكفاية فـ ينقرع الابن العاصي عن خطأه دون الحوجة لكتير كلام .. بل ان هناك اساطير تحكى عن سطوة بعض الاباء الزمان، الذين كان الواحد فيهم يكتفي بتعليق (سوط العنج) على مسمار مجاور لـ مسماره الذي يعلق فيه الجلباب .. فيقوم السوط من مكانه بدوره كاملا في ارهاب الشباب، دون الحوجة لانزاله من مكانه واستعماله في (محط) ظهور وسكاكات الغلطانين من الابناء ..
نحمد الله أنا وأخواتي، لان ابي رحمة الله عليه كان من اتباع مذهب (البت ما بدقوها) وكان يترك معالجة مشاكل شغبنا ومناكفات طفولتنا لـ أمي كي تعالجها بمعرفتها، لكن غايتو في زول ساكن معانا حكى لينا .. بأن والدته كانت عندما ترغب في دفعه واخوانه الصبيان كي (يلزمو الجابرة)، تكتفكي بالاشارة للسوط المعلق على المسمار وتقول:
لو عملتو دوشة .. السوط ده بعدين بكلم ليكم ابوكم.
أما الان ومع تغير الزمن وظروف غياب الاباء بالسفر والاغتراب وغيره من الاعذار المبيحة لتهرب الآباء من هم تربية الابناء، فقد صارت مهمة تربية الابناء والبنات من واجبات الأم ، وغالبا ما لا يتدخل الاب في سير الامور إلا عندما يغترف الابن ذنبا يحتاج لان يرفع إلى ابيه .. وربما كان ذلك واحدا من اسباب تفشي الدلع و(النياصة) بين صغار اليومين دي .. فقد تابعت ايام العيد الفائت تداعيات انتفاضة احد اقربائي، على طريقة حريم الاسرة في (المضارفة) والخوف على ابنه الصغير يتيم الام، فاصر على السماح لابنه بالذهاب للحديقة مع اصدقائه الصغار .. رغبة من قريبي هذا في دفع ابنه لتعلم (الدردحة) والاعتماد على النفس .. بصراحة فقد عشت مع نساء الاسرة الرعب وايادينا على القلوب خوفا على الصغير، بسبب ازدحام الحدائق في الاعياد والمشاكل التي تنتج عنه .. ولم نتنفس الصعداء إلا بعد ان عاد الصغير العزيز بالسلامة لتؤكد تلك العودة على صحة نظرية ابيه في تركه يعتمد على نفسه ليتعلم الشدة، ولتؤكد ايضا على حوجتنا نحن الامهات لان نربط على قلوبنا الرهيفة شويييية .. حتى ينشأ أبناؤنا ليصيروا رجالا يملوا العين.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com