وتختلف هذه الممارسات الاجتماعية بين كل ولاية وأخرى وكذا بين القبائل، إذ أن لكل منهم طريقة معينة وربما يتفق بعضهم في جزئية منها، لكن الثابت اجتماعها على التطبيق وإن اختلفت الطرق والتعبير.
طقوس قديمة مستحدثةفـ(الزواج) تحديداً وما يتمخض عنه ويصاحبه من متلازمات وطقوس قديمة متجددة، أسبغ عليها كثير من الأشياء الدخيلة حتى جافت المنطق وحادت عن العادة والتقليد المحلي، وأصبح البون شاسعاً ما بين قديمها وحديثها. أما (الختان) و(الوفاة) فقد تقلصت مساحة أداء الفروض القديمة فيهما وأصبحت عقلانية إلى حد، لكن (الولادة) أو وضع المرأة حملها فما تزال تجر في ذيلها وتحوي في باطنها بعضاً من الممارسات القديمة التي ما تزال تعلق بها، ولأن هذه المناسبة حساسة وتتعلق بالصحة العامة إذا ما أهملت، فإن السلف الصالح اهتم بها اهتماماً بالغاً، وأورثها الأشياء التي يجب أن تتبعها الأجيال المتعاقبة وقد سقط بعضها بتقادم الأيام، فيما ظل بعضها حاضراً في تعاملاتنا الحياتية إزاء هذه الحالة تحديداً (الزواج).
ومن الأمور المصاحبة لبرنامج الولادة يوم (السماية) وهو ليس قاصراً على السودانيين فحسب، بل أن دولاً عربية كثيرة اهتمت بـ(السبوع) وهو يوم تسمية المولود وكل تحتفي بطريقتها الخاصة، وعن ذلك قالت الحاجة “زينب الهميم” إن الولادة تحديداً تتبعها كثير من المتلازمات التي لا استغناء عنها، وترى أن بعضها قد اختفى لأنه وحسب رأيها (أن بنات اليومين ديل ما بسمعن الكلام)، حكت كيف كانت تُعامل (النفساء) في الحقب الفائتة، وكيف كانت تُضرب عليها العزلة أسوة بالمحبوسة (الأرملة).
تطير ومحاذيرومضت الحاجة “زينب” بقولها: تشابهت بعض الممارسات، فكانت توضع في مكان ساتر (الكجرة)، وهي عبارة عن قماش أشبه بالناموسية تحتجز داخله مدة أربعين يوماً حسوما، هي حد الحبس الإجباري خاصة في وجود ضيوف أو لحظة الرضاعة والأكل، فضلاً عن منعها كشف رأسها إذا خرجت في الهواء كي لا يتغلغل داخلها، إذ ربما كان مصحوباً بالشيطان على اعتبار أن مساماتها مفتوحة طيلة الأربعين مع ضرورة وجود (مصحف) في الغرفة أو قبالة رأسها، وبعضهن يضعن خاتم جنيه على أصابعهن حتى وأن اضطررن لاستعارته من الغير، كما أنه يمنع منعاً باتاً دخول شخص شاهد (جنازة)، وكل ذلك من باب (التطير)، واستدركت الحاجة “زينب” (هسي جزء كبير من الحاجات دي إنتهى، والنفاس ذاتو فقد قيمتو وهيبتو والبنات بقن يجقلبن ويحومن البيت كلو والرأس مكشوف والصوت عالي، مش كده كمان واحدات بقن يطلعن بره البيت قبل الأربعين).
أربعين (النفساء)وما بين اليوم الأول لـ(النفساء) واليوم الأربعين تتكدس المساحة بكثير من الممنوعات والتوجيهات، أما اليوم الختامي وهو الأربعيني فتعد له العدة باكراً، ليس أربعين (النفساء) فحسب إنما هناك أربعين البكاء وهو لا يقل حفاوة وإعدادا عن سابقه، ويشهد الاثنان تجمعاً للأهل والجيران باعتباره مناسبة اجتماعية غض النظر إن كانت سارة أو حزينة، وللوقوف على هذا الطقس بداياته ومسيرته وكيفيته واختلافه بين القبائل قالت الأستاذة “آيات مبارك” الباحثة في مجال الفلكلور: تعود الممارسات التي تتم بـ(فترة الأربعين) إلى بعض الشعائر الإسلامية باختلاطها مع الديانات الأخرى والفرعونية القديمة، وأخرى ترجع للطب الشعبي أو الجانب العلمي، مثلاً بعض القبائل تشرب (البربور) وهو ماء التمر المغلي ويخلط بالسمن واللبن (مديدة البلح)، وشرب حساء الحمام والدجاج وكل الطيبات التي تساعد على تقوية الجسم وتعويض الدم المفقود. و(الحلبة) تساعد على إيقاف الآلام التي تصاحب المخاض. كما أنها تحظى بعناية نساء كبيرات السن نسبة لضعفها وأيضاً لنقل الخبرات، والملاحظ هنا اختلاط بعض الشعائر مثل الآذان ووضع المصحف وهي دينية إسلامية، إلى جانب الطقوس التي تتصل بالسحر كالمعادن والنباتات والمصحف والسيف، صوت العنج، وتميمة يلبسها الوليد والمرواد وصحن النحاس، ويقال إنها تحرس من البوم ومن تبديل الجن. كما الحراسات تجعل جرح الأم يشفى في اليوم الأربعين، إذ يعتقد المجتمع أن لها وجوداً وقوة سحرية تطرد الأرواح والأشياء التي توضع بجوارها، وذلك لتأمين صحتها النفسية وحماية لطفلها.
عودة لمباشرة الحياةوبعد الأربعين تقام وليمة عبارة عن (رز بلبن) (إعلاناً عن مباشرتها حياتها الطبيعية.
أما في غرب السودان، فيجب أن يكون البيت في حالة إضاءة، وبعد الخروج من الأربعين تذهب (النفساء) لتغتسل في موضع ماء (خور أو غيره) وتحمل معها كمية من موقد النار (رماد) تنثره في الماء، وبعد الأربعين يتم غسلها بأربعين فنجان من النوع (أبونجمة)..
أو تذهب إلى البحر وتدعو لأبنها (يا بركة البحر الجاري.. يا الفيك بنات الحواري.. تصلح حالك وترفع شانك).[/JUSTIFY]
صحيفة المجهر السياسي
تقرير : أمل أبو القاسم
ت.إ