الحصار المبكر
بعض قادة المجموعة المتنفذة سعت منذ البداية إلى التضييق على العناصر الفاعلة والمؤثرة في مجموعة الإصلاحيين ومحاصرتها، ولجأت إلى أسلوب التهديد والتخوين والترهيب لا الحوار، ويبدو ذلك من خلال المعطيات التالية:
«أ» هددت القيادة السياسية بمحاسبة الإصلاحيين بعد رفع مذكرتهم الأولى «مذكرة الألف أخ»، وهي المذكرة التي حركت البرك الساكنة داخل الحزب، بينما أيدها بعض القيادات أمثال قطبي المهدي وآخرون.
«ب» في حديث مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع، أشار إلى أن بعض القوى السياسية التي تسعى لإسقاط النظام اخترقت المجموعة بكوادر حزب معروف ــ في إشارة إلى الشعبي ــ وسعت لتنفيذ أجندتها من خلال المجموعة، ثم اتهامها أخيراً بالتنسيق مع المعارضة لإسقاط النظام, وهو حديث يعتبره الاصلاحيون في خانة الاتهام والتخوين لمجموعتهم.
«ج» وأما أسلوب الترهيب الذي ووجهت به مجموعة الإصلاحيين بحسب مراقبين فيبدو جلياً في إجراءات لجنة المحاسبة بقيادة أحمد إبراهيم الطاهر التي قررت المحاسبة واتخاذ الإجراءات الصارمة في مواجهة المجموعة قبل بدء التحقيق معها، وفي اتهام اللجنة لقادة الحراك بصلاتها بقوى معارضة والعمل في تنظيم موازٍ للحزب مما يعني الاتهام بالخروج والتمرد على لوائح الحزب، وطرد «الإصلاحيين» من اجتماعات الحركة الإسلامية.
أهداف غير معلنة
ويلاحظ أيضاً من خلال هذه الإجراءات في مواجهة المجموعة، أن الحزب يسعى لتحقيق أحد هدفين الأول: إما كسر عظم المجموعة وتقليم أظافرها ونتف ريشها وجعلها جثة هامدة غير قادرة على الحركة وعزلها ومحاصرتها داخل الحزب.
والثاني: إرغامها على الخروج من الحزب، وهذا هو الخيار الأفضل الذين يرون في المجموعة خطراً.
ولا شك أن خروج هذه المجموعة وتكوين حزبها الجديد سيتيح لخصومها مساحة واسعة لمحاصرتها وممارسة التضييق عليها وتجفيف منابع دعمها وتمويلها وإفقارها وإضعافها، وهي أساليب تُعد الأنجع بالنسبة للمؤتمر الوطني في كسر شوكة الخصوم وإخضاعهم لسياسة الأمر الواقع والتعامل معها.. ويرى البعض أن مؤسسات الحزب القابضة عمدت إلى دفع مجموعة الحراك الإصلاحي دفعا للإنسلاخ وتكوين حزبها الجديد، وذلك من خلال استفزازها وتوجيه بعض الأساليب التي تُعد مهينة لقيادات لها الكثير من الكسب السياسي في مسيرة الحزب، ولعل ما يعزز هذه الفرضية هو التوصية التي دفع بها المكتب القيادي إلى مجلس الشورى لاتخاذ قرار بفصل المجموعة التي رفعت شعار الإصلاح، وذلك بعد أن فشلت خطوة قرار التجميد في دفعها للخروج من الحزب وتكوين كيان آخر، ولعل تلك التوصية هي ما دفع الإصلاحيين لاستباق قرار الفصل حتى لا ينال خصومهم شرف فصلهم.
وفي بداية الأمر بدا أن مجموعة الإصلاحيين تنبهت جيداً وتحسبت لهذه الخطوة، فأعلنت في الحال أنها لن تخرج ولن تنشق ولن تستجيب إلى تلك الاستفزازات، وصورت حزب المؤتمر الوطني بأنه حزبهم المختطف من الدخلاء عليه ولا مجال لإخلاء الساحة لمن سموهم دخلاء، وبهذا الموقف قطعت مجموعة الحراك الإصلاحي الطريق أمام الخطة «أ»، ولكنها في نفس الوقت مهدت الطريق لتنفيذ الخطة «ب» وهي فصل القيادات النافذة في المجموعة بإيجاد مبررات ومسببات لتجريمهم كاتهامهم بالاتصال ببعض القوى المعارضة والعمل في تنظيم موازٍ كما أشارت لذلك لجنة المحاسبة في تبرير قرار التجميد… قرار الفصل كما توقعنا من قبل تجاهل محاسبة الكثيرين داخل المجموعة حتى لا يخسر الحزب كل المجموعة وأنصارها، وذلك بهدف ترك الباب مواربا أمامهم وإعطائهم فرصة كاملة للتراجع عن مناصرة مجموعة الإصلاح، وربما إغرائهم للانسلاخ عنها..
قفزة في الظلامويرى أكثر من مراقب سياسي أن مجموعة غازي صلاح الدين ستكون قد ارتكبت خطأ إستراتيجياً قاتلاً إذا أعلنت الإنسلاخ رسمياً واستمرت في تكوين حزب جديد، لأنه سيكون قابلاً للكسر والالتهام بالتكتيكات التي تمارسها سلطات المؤتمر الوطني على خصومها السياسيين، وتبدو هذه الخطوة أشبه بخروج قوات متمردة من منطقة كانت تحتمي بسكانها «دروع بشرية»، وفي تلك الحالة يصعب على الحكومة استهدافها بصورة عنيفة وبأسلحة ثقيلة حفاظاً على أرواح من هم حولهم، ولكن بعد خروج المجموعة إلى منطقة معزولة مستباحة غير محرمة على الحكومة، تكون المجموعة قد وضعت نفسها بحنق في مرمى النيران الثقيلة أو أنها وضعت قياداتها في منطقة «الدروة»، إذن بهذه الخطوة سلمَّ إصلاحيو الوطني رقابهم إلى خصومهم بعد أن كانوا يتحصنون ببقايا الأنقاض وبعض الخنادق الخاصة بهم داخل المؤتمر الوطني، وحرموا أنفسهم من استخدام الدروع البشرية هناك ممن يتعاطفون معهم على تخوف من القابضين على الحزب.
والناظر إلى واقع المؤتمر الوطني اليوم لا تخفى عليه آلام المخاض العسيرالذي ينبئ بصرخة مولود جديد يأتي من صلب المؤتمر الوطني نفسه، ولكن تسرع مجموعة غازي وود إبراهيم وتعجلها للخروج سيجهض هذا الخيار الذي ظل ينتظره الكثيرون داخل المجموعة وخارجها.
ثم تبقى الإشارة إلى بعض ما جاء في فقرات البيان الأخير لمجموعة الحراك الإصلاحي، وهي إشارات تعكس حجم الخلاف واتجاهات الصراع، وأن مجموعة محددة في المؤتمر الوطني هي التي تتخذ القرارات، حيث جاء في البيان: «كثير من القرارات الكبرى في المؤتمر تُتخذ بتداول محدود بين أشخاص معدودين».
والإشارة الأخرى الجديرة بالوقوف عندها هي خاتمة البيان التي جاء فيها: «الساعة ساعة ميلاد جديد، وساعة تأكيد لمواثيق حملناها معاً وفاضت بها كلماتنا وتعبيراتنا. ونحن جميعاً، أمام تحديات ستضعنا في أحكام التاريخ إما مع الإصلاح أو مع الإفساد، مع الحق أو الباطل، مع العدل أو الظلم ، مع الكرامة أو الاضطهاد، مع الحرية أو الاستبداد.. اللحظة لحظتكم والقرار قراركم. «افعل ما شئت، كما تدين تدان»..
ثم يبقى السؤال الجوهري: ما الذي تبقى أمام مجموعة الحراك الإصلاحي بالمؤتمر الوطني لمواجهة التحديات التي ذكرها بيانهم وهي «الفساد والباطل والظلم والاضطهاد والاستبداد»… والإجابة عندي أنهم لا سبيل لهم سوى اللجوء إلى بعض القوى الإسلامية للاستقواء بها مثل المؤتمر الشعبي وتحالف القوى الإسلامية ونحوهما، والتحالف معها في الانتخابات القادمة، غير أن هذه الخطوة أيضاً حظوظها ضعيفة بعد تأهب حزب الترابي للمشاركة في السلطة.
صحيفة الإنتباهة
تحليل – أحمد يوسف التاي