المبنى الأخضر بالصورة التي تعرف (مركز الشهيد الزبير محمد صالح) للمؤتمرات تستعيد معه الشريط سريعاً: طائرة الناصر التي تمد جناح موتها لطائرة كمبالا.. يذهب الرجلان ليبقى لك وطن (مقصوص أو مهيض) الجناح.. تعبر كل التفاصيل قائلاً: (نحنا اولاد النهار دا)، وبانفصاله وباتفاقيات تعاونه التسع ومصفوفات تنفيذه وصولاً للزيارات المتبادلة بين رئيسي الدولتين، وانتظار ما تسفر عنه مستقبلاً.. تحمل بطاقة دعوتك من الاتحاد الوطني للشباب السوداني لمنبره الدوري الذي خصص (لمستقبل علاقات دولتي السودان ما بعد زيارات الرئيسين).
الدعوة التي تسلمها في الوقت نفسه أربعة ممن يجب أن يجلسوا في المنصة وهم سفير دولة الجنوب بالخرطوم ميان دوت ومدير إدارة الجنوب بالخارجية السودانية السفير بدر الدين عبدالله والوزير بوزارة تنمية الموارد البشرية أحمد كرمنو يضاف لهم المحامي والسياسي المثير للجدل غازي سليمان والقيادية بحزب الأمة مريم الصادق.
تأخر غازي سليمان ولم يأت كما فعلت مريم الصادق في حين دفعت سفارة جوبا بالخرطوم بالرجل الثاني فيها جون كاونيك والذي جلس في المنصة برفقة كرمنو ومدير دائرة الجنوب السفير بدر الدين عبدالله، واكتظت القاعة بالحضور في حين تركز كل النظر حول الصورة ثنائية الأبعاد خلف المنصة للرئيس البشير وشقيقه سلفاكير ميارديت دون أن يتركز الحديث حولهما فالجميع اتفق على أن الأمر يخص دولتين أكثر من ارتباطه بحكومات ستذهب وتبقى الشعوب.
* تاني جاب سيرة الوحدةكعادة أي تجمع سوداني جنوبي فإن السؤال الرئيس الذي يتركز حوله النقاش هو: لماذا حدث الذي حدث وهل من عودة لثمر الوحدة؟
نائب السفير الجنوبسوداني بالخرطوم جاء بفرضية بدت غريبة من الوهلة الأولى وذلك بقوله إن الجنوب لم ينفصل، كل الذي حدث أنهم أقاموا استفتاء كانت نتيجته انفصال الشمال من السودان، مستعيداً شريطا من الذكريات، واضعاً كل الأمر في حقيبة المسؤوليّة الخاصة بالشريك في توقيع نيفاشا المؤتمر الوطني.. مردفاً حديثه بابتسامة بدت وكأنها محاولة لتلطيف الأجواء ورسم صورة زاهية لمستقبل قال إن من تصنعه الأجيال الجديدة التي تشاركت القاعة بجنسيتها الجنوبية والسودانية في آن واحد قائلاً: هؤلاء لو اختاروا العودة إلى وحدتهم فلن تقف أمامهم أي قوة.
وفي ذات السياق مضى السودانيون في الضفة الأخرى من النهر وهم يقولون إن ما حدث اقتضته ظروف سياسية معينة ولم يصل بعد إلى عمق ماهو اجتماعي، ويمكنك من خلال متابعة حديث أهل المنصة ملاحظة أن ثمة اتفاقا على أن المجتمع قادر على تجاوز إخفاقات السياسة دون أن تمتلك حق التساؤل حول الكيفية التي يتم بها ذلك.
* صوت التجار الشعبيحسب الرسول عباس رجل ثمانيني استلم المايكرفون في الجلسة قائلاً إنه قضي ستين عاماً من عمره في الجنوب يمارس التجارة ويقول إن الانفصال جعل (كرعينهم إلى أعلى ورأسهم تحت) وإنهم فقدوا معظم حقوقهم بعد رحلة العودة عقب إعلان المفاصلة وإن أملاكهم الآن مؤجرة هناك دون أن يحصلوا على قرش واحد من عائدها المادي وإن بعضهم يعيش في حالة يرثى لها قبل أن يكشف أن أحد التجار حصل على حقوقه عبر التقاضي في محاكم الجنوب إلا أن الأمر توقف عند مرحلة التنفيذ لأن نافذين هناك هم من يصارعهم.. وأعلن الرجل أنهم مستعدون للعودة الآن إلى هناك ملقياً باللائمة على النخب السياسية وذكر أن الشعب السوداني ما بينه سمن على عسل.
* كيف الدبارة وما العمل؟والسؤال هو ذاته السؤال حول مستقبل العلاقات عقب زيارة الرئيس سلفاكير وعودته إلى جوبا، ورد البشير الزيارة في أكتوبر خطوة اعتبرها الجالسون في المنصة انتقالا نحو تفعيل الثقة المتبادلة وآلية للعبور فوق المتاهات وتحقيق تطلعات الشعبين وإبعادا لمن يريدون الاصطياد في المياه العكرة ومن ثم استغلال موارد السودانيين، بحسب قول نائب سفير جوبا بالخرطوم حين حديثه بعربية طليقة وهو الأمر الذي مضى فيه مدير إدارة الجنوب قبل أن يعلن عن الاستمرار في السياسة الجديدة المرسومة للتعاطي مع المشهد العام في الدولتين اللتين لن تعودا للعبة مرة أخرى (القط والفأر)، فتبادل المصالح هو كرت الضمان الوحيد بالإضافة للحراك الإيجابي عبر مؤسسات تسريع خطى التعاون وتنفيذ ما اتفق عليه مسبقاً في أديس أبابا وفي جوبا.
* حكاية أولاد الكديسة وأولاد قرنقحكى سفير جوبا بالإنابة قصة اعتبرها مدخلا للحديث عن مستقبل السودانين وهي أن فأرة في وقت هطلت فيه أمطار غزيرة احتاجت لأن تحتفظ بصغارها بعيداً عن مرمى السيل ولم يكن من سبيل سوى بيت (الكديس) فأرسلت أحد صغارها لمعرفة ما يمكن أن يحدث لو حدث ذلك فاستقبله الكديس بعبارة (تعالوا مافي شي بياكلكم) رغم أن الفأرة لم ترسل أبناءها إلى منزل الكديس في تلك الليلة خوفاً عليهم من الأكل، وهو الأمر الذي انتفى الآن في علاقات الشمال والجنوب وأنه بعد زيارة الكبار المتبادلة لا شيء يمكن الخوف منه أو عليه، فإذا انصلح الحال بين الكبار انصلح حال الآخرين ليكمل: الزيارات ستلقي بظلالها الإيجابية على المستقبل..
وفي سياق آخر قال نائب السفير إن (أولاد قرنق) مفهوم سياسي غير مضبوط وإن سلفاكير هو ولد قرنق الكبير والبقية أبناؤه الصغار وما يحدث الآن اختلاف سيتم تجاوزه في القريب العاجل.
* كرمنو في مطب الإصلاحيينفي فقرة المشاركات طالب أحد الشباب الملتحين بفرصة منحت له وعرف نفسه بـ(المعز حسن) مضيفاً لها نعت (إصلاحي) وهو التعريف الذي دفع بالوزير أحمد كرمنو أن يتساءل بعد أن احمر وجهه: يعني شنو إصلاحي؟ ليجيب صاحب الفرصة بأنها تعني مواطنا مستقلا.. وعند تداركه للأمر طالب كرمنو الصحفيين بعدم التركيز على الحفرة التي سقط فيها بل على مخرجات الندوة التي تم النقاش فيها بين المشاركين.
عموماً أغلقت المايكات وخرج المتحدثون بعد أن أبلوا بلاء حسنا في الحديث فقط يبقى الآخرون ينتظرون الإجابة بأن تتحول الأقوال إلى أفعال وأن يمضي الخير بين أيادي ثمانية ملايين مواطن في الحدود .
صحيفة اليوم التالي
ع.ش