لا أعرف مسؤولاً في الدولة السودانية، له براعة ومهارة في استفزاز المواطنين مثل السيد وزير المالية / علي محمود عبد الرسول.
أغلب تصريحات الوزير مثيرة للغبار والأتربة، وعادة ما تنطلق بعدها موجة من العطاس.
من قبل، بشّر السودانيين بالعودة إلى (الكسرة)، ومنَّ عليهم بأكل البيتزا، وصرح أن السودان في عهده أصبح يصدّر الذهب والنبق والدكاترة!
الرجل يتحدث على سليقته، لا يجري دراسة جدوى لما يقول، تصريحاته تصطدم بكل شيء، فأجهزة الملاحة التعبيرية لديه مصابة بالتشويش.
لا يوجد رجل في العمل العام، يسترخص مصداقيته مثل هذا الوزير، فيعترف أمام أجهزة الإعلام بأنه كذب على المواطنين لتطمينهم!
حينما سُئل عن تصريحات سابقة له، قلل فيها من مضار انفصال الجنوب على الاقتصاد السوداني، وقال ودون أن يرمش له جفن أو يجف له ريق: (ليس لدينا خيار آخر غير ما قلنا للناس، فكان واجبنا أن نبث الطمأنينة في نفوس الشعب السوداني وليس تخويفهم)!
الرجل يرغب في كسب اللحظة الراهنة، ولا يكترث لظن الناس فيه غداً، حينما يعيد كرة التطمين عبر الأكاذيب في مستجدٍّ آخر!
وقصة محمود الكذاب في المرحلة الابتدائية، ترسخ بذكاء مترتبات ضياع المصداقية وعدم الثقة في الأقوال، حينما تصدق الأكاذيب وتكذب الحقائق، ويهجم النمر على الأغنام.
قصة جديدة توضح زهد الوزير في الحفاظ على مصداقيته، في الصفحة الأولى من عدد اليوم تجد عزيزي القارئ خبراً لوزير المالية جاء فيه الآتي:
(رهن وزير المالية على محمود تطبيق زيادة الأجور بموافقة البرلمان عليها وتمريرها، وقال إنه في حال عدم موافقة البرلمان عليها ستُستقطع السلفية التي مُنحت للعاملين قبل عيد الأضحى من رواتبهم، وأضاف: “زيادة الأجور تتطلب موافقة البرلمان، استناداً إلى قانون الاعتمادات المالية؛ ولو وافق عليها ستطبق، ولو لم يوافق عليها ستُستقطع السلفية من العاملين، وكان الله يحب المحسنين”)!!
بعد إكمال قراءة الخبر السابق، عليك عزيزي القارئ مرافقتنا إلى الأرشيف لقراءة خبر سابق في يوم 12 سبتمبر 2013م، لذات الوزير قبل خمسة أيام من تنفيذ قرار رفع الدعم عن المحروقات، جاء فيه الآتي: (وقال وزير المالية على محمود في تصريحات صحفية الخميس، إن القرار الخاص برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 11%-55% سيجاز بواسطة مجلس الوزراء السوداني الخميس المقبل، وقال إن وزارته ستضخ الأموال فور اتخاذ القرار)!!
قبل رفع الدعم عن المحروقات وأحاديث التهدئة والترضيات والوعود المدهونة بالزبدة، لم يذكر الوزير أو يُشِر – من قريب أو بعيد – إلى ضرورة أن يجاز قرار رفع الحد الأدنى للأجور من قبل البرلمان!
وحينما مرّت العاصفة وبرد الجو، رجع الرجل إلى قاموسه القديم، وفتح الباب واسعاً أمام احتمال التراجع عن زيادة الأجور، واعتبار ما دفع سلفية مستردة تستقطع من قوت الموظفين والعمال و(الله يحب المحسنين)!
نعم الله يحب المحسنين، ولكنه كذلك لا يحب المخادعين، وهو القائل:
﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) ﴾ سورة المطففين.
البرلمان الذي غُيّب عن أهم قرار اقتصادي، وهو رفع الدعم عن المحروقات، مطلوب حضوره اليوم لإجازة زيادة الأجور أو رفضها.
والله المستعان.
ضياء الدين بلال