سر التوريدة

[ALIGN=CENTER]سر التوريدة !![/ALIGN] لم يكن عم (أحمد) يدري في أيهما كان محظوظا .. أفي اختياره لان يضع كل الطلع بيهو من فوائد ما بعد خدمة دامت لقرابة الاربع عقود للمؤسسة التي يعمل فيها قبل ان يحال للمعاش في عربة (هايس)، أم في اختياره الموفق لـ (هشام) كسائق لتلك الهايس، فقد نعم عم (أحمد) براحة بال يحسد عليها من بقية زملائه المعاشيين، فهو لم يكابد العنت مثلهم بسبب إلتزام (هشام) بالتوريدة الثابته (خمسون جنيا)، والتي تعود أن يورّدها له في مساء كل يوم لأكثر من عامين .. لم تنقص تلك التوريدة في يوم ولم يتحجج (هشام) بحجج السواقين المعتادة لكب الزوغة بإيراد الهايس، كالتحجج بغرامات الطريق وبنشرة اللساتك وخستة المكنة والحوجة لتغير الزيت وغيرها من الحجج، بل واظب على المحافظة على سلامة ونظافة الهايس مع التوريدة كاملة طوال هذه السنتين .. ولكن ذات مساء عندما أحضر (هشام) التوريدة المعهودة لـ عم (أحمد) سلمه معها مفتاح الهايس واعتذر عن مواصلة العمل معه.
اصاب الانزعاج الشديد عم (أحمد) وسأله ان كان هناك ما بدر منه دون قصد فضايقه ودفعه لهذا التصرف، ولكن (هشام) أكد له أن السبب الوحيد في تخليه عن خدمته، انه قد أشترى لنفسه عربة هايس من فائض ما وفره من عمله، وسيعمل عليها من غده بدلا عن العمل على عربة العم (أحمد).
بدأت أيام عذاب عم (أحمد) بعد تلك الليلة وعانى من تحوله لـ(ملطشة) على يد السواقيين، بتسيبهم وعدم التزامهم بالمواعيد أو مبلغ التوريدة وكثرة تحججهم باعطال الهايس، لذلك (جازف) عم (أحمد) في لحظة زهج باستبعاد آخر سواق وقرر أن يعمل على الهايس بنفسه، ولكن لم يزد الطين إلا بلة فطوال اسبوع كامل لم يجمع الـ(خمسين جنيها) توريدة يوم من أيام (هشام)، بسبب الوقوف لساعات في الصف انتظارا لدوره في شحن العربة ومنصرفات الوقود وغيرها.
ضاق عم (أحمد) زرعا بالحال وغلبو البسويهو ففكر في الذهاب لمقابلة (هشام) وسؤاله عن الطريقة السحرية التي مكّنته من التوفيق في توريد التوريدة طوال فترة عمله معه، والتي عجز العم عن فعلها بنفسه عندما اجتهد في ذلك.
بعد ان شرح عم (أحمد) السبب في زيارته أجابه (هشام) بغموض:
لكن انت ما بتقدر تسوي القاعد اسويهو أنا يا عم احمد.
فأصر عليه العم (أحمد) بأن يرافقه صباح الغد حتى يرى الطريقة التي يعمل بها .. لبس ملابسه في الصباح الباكر وتجهز للخروج مع (هشام) حسب الاتفاق، ولكنه لم يحضر إلا بعد الساعة العاشرة .. تحير عم (أحمد) من هذا التأخير وسأله: من اين يمكن ان يجد ركاب بعد ضياع فرصة اللحاق بمواعيد خروج الموظفين؟ ولكن (هشام) طمأنه وانطلقا معا بالعربة .. وبدلا من البدء في العمل قاد (هشام) نحو أحد مطاعم المشويات الفخرة وجلس مع عم (أحمد) لتناول افطارهم من انواع اللحوم والمشويات .. فسأله العم في حيرة:
انت كل يوم قاعد تجي تأكل هنا وللا دي عزومة عشان خاطري؟
فأجابه (هشام) بأنه قد تعود على تناول الفطور في هذا المحل لسنوات! وبعد الوجبة الفاخرة لم يبادر (هشام) للخروج ايضا، بل جلس معه في خمول على المقهى المجاور يشفّط في كسل من خرطوم شيشته، بينما اخذت الحيرة والغيظ بمجامع قلب عم (أحمد) وغلبو الكلام فقرر اللجوء للصمت لمن (يشوف آخرتا).
بعد منتصف النهار غادر (هشام) المقهى بصحبة عم (أحمد)، الذي اضطر لوضع يده على جبينه كي تقيه من شر حرة الشمس التي توسطت كبد السماء .. انطلقت العربة بهم في صمت حتى وصلت لإحدى ضواحي الخرطوم البعيدة .. قاد (هشام) السيارة ببطء وسط شوارع الضاحية الهادئة، حتى لاحت لهم من على البعد (كوشة) قد تجمعت حولها مجموعة من الاغنام، اوقف العربة ونزل ليقترب بهدوء من الاغنام وفجأة انقض عليها ورفع منها اثنتين وضعهما في العربة وانطلق مبتعدا.
ألجمت المفاجأة لسان عم (أحمد) وعندما تمكن من النطق اخيرا، سأل (هشام) عن كنهة تصرفه ولكنه طلب منه الصبر قليلا .. انطلقت بهم العربة شمالا حتى وصلوا لاطراف سوق ليبيا في أمدرمان، وهناك أوقف (هشام) العربة بجوار زريبة بهائم وادخل إليها (الغنمايتين) !
بعد عدة دقائق خالها عم (أحمد) دهرا بسبب الخوف والتوجس، خرج (هشام) يحمل ربطة قروش .. عدّها أمامه فإذا هي مئتي جنية .. فسحب منها خمسين جنية ناولها لعم (أحمد) وحشر الباقي في جيبه وهو يقول:
أهو كده يا عم (أحمد) تبقى عرفتا سر التوريدة .. رأيك شنو؟ !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version