المطلوب أن تمتد أياد بيضاء إلي حاملي السلاح من رافضي الاتفاق، ويقع ألعبء الأكبر في المسؤولية علي الحكومة فعليها أن لا تبخل بأي تنازلات ولو كانت مؤلمة لطي ملف الأزمة في الإقليم، لأن البلاد أو ما تبقي منها لا تحتمل مزيداً من الحرائق، ولم يعد الحل العسكري سهلاً وحاسماً للصراع بالنسبة للحكومة والحركات علي حد سواء لعوامل عدة.
السلطة الإقليمية في دارفور برئاسة الدكتور التجاري السيسي التي تباشر مهاماً رسيماً من الفاشر يبدو أنها وجدت نفسها معلقة في الهواء، فهي ليست مستوي دستورياً من الحكم بل جسماً سياسياً أكثر من كونها سلطة حقيقية، ولا تزال ملفات ينبغي أن تكون من صميم اختصاصها حسب وثيقة الاتفاق رفضت الولايات التنازل عنها كملف الأمن .
كما أن ملف العدالة وتشكيل محاكم مراقبة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لم يترجم عملياً، وكذا ملف الترتيبات الأمنية.
ويبدو أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وانصراف المجتمع الدولي إلي بؤر ساخنة أخري في العالم، ألقي بظلاله علي الاتفاق وتمويل المشروعات، عدا جزء محدود من التزامات الدوحة خلال مؤتمر المانحين، ومشروعات الإنعاش التي طرحت مؤخراً.
مواطن دارفور صاحب المصلحة الحقيقية لم يشعر بعد بأن الاتفاق يمشي علي الأرض، ولم يجن ثماره، فهناك سلحفائية غير مبررة يسير بها علي الرغم من أن الشريكين ليدهما مصلحة في تسريع تنفيذه وتحقيق قفزات نحو تغيير الأوضاع في ولايات الإقليم.
اتفاق الدوحة أمامه تحديات كبيرة، وتعقيدات جديدة، ستكون بلا شك خصماً عليه وفي حال عدم التصدي لها ستشكك في جدوى السلطة الإقليمية.
السيسي ورفاقه يواجهون اختباراً حقيقياً، يتطلب جهداً مضاعفاً وإرادة سياسية، وحسن توظيف المتاح لهم لتحقيق انقلاب في الأوضاع الأمنية والتنمية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تأثر بالحرب والمواجهات، وإقناع حاملي السلاح بالجنوح نحو السلام، والتكامل مع حكومات الولايات، لتجنب نزاعات تهدد الموارد والجهود وتسود صفحات الجانبين.
مؤتمر أهل درافور الذي كان إحدي الخطوات العملية في تنفيذ الاتفاق، خرج بتوصيات فاعلة، تنقصها الإرادة والفاعلية لجني ثمارها، ونخشي أن تظل ورقاً يزين الأضابير.
اللجنة الوحيدة التي تتحرك إعلامياً من لجان مؤتمر أهل دارفور هي المعنية بالحوار مع حاملي السلاح، غير أن نشاطها يبدو أقرب إلي العلاقات العامة، و”الطبطبة” والتجوال في عواصم إفريقية وأوروبية بحثاً عن الفردوس المفقود.
التقرير الأخير الذي طرحه الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون علي مجلس الأمن في الأسبوع قبل الماضي وعززه رئيس بعثة “يوناميد” محمد بن شمباس يرسم صورة قاتمة للأوضاع الأمنية في دارفور، وتمدد الصراع القبلي واستمرار العنف والنزوح، وبطء عملية السلام.
وما تشهده نيالا من اضطراب وعمليات قتل ونهب مسلح في أكبر مدن الولاية، وعودة العنف إلي شمال دارفور في محليتي السريف ومليط والصراعات القبلية في شرق دارفور، يشير إلي أن الأوضاع في المنطقة تتقدم إلي الخلف.
لم يصل اتفاق الدوحة إلي مصير سابقة “أبوجا”، مما يضع مصداقية وجدية الشريكين حزب المؤتمر الوطني و”حركة التحرير والعدالة” محل اختيار، فالأوضاع في دارفور تمضي إلي مرحلة خطر ينبغي تجنبها.
أقصر الطرق نحو الاستقرار في دارفور، الحوار لتحقيق السلام وتضميد الجراح والتعافي من آثار الحرب عبر مصالحات حقيقية وجمع السلاح الذي يستسهل حاملوه القتل والنهب، وتنفيذ مشروعات تنمية تستوعب السواعد الخضراء التي إن لم تجد مصدر رزق اتجهت للبندقية.
صحيفة التغيير
[/JUSTIFY]