حزب الامة ليس بذلك السوء او التخلف الذي يدعو تلك الاخت المنشقة عنه إلي لعنِهِ. وضربتُ مثلاً بموقف شيوعي سابق أضحي من رموز وقيادات الإسلاميين فيما بعد, اعترف بدوره السابق ولم يتنصل عنه او يلعنه ولم يوجّه أي إساءة لزملائه السابقين. وأشدت بتعبيرها عن عدم رغبتها في إقصاء أي طرف في النظام البديل الذي تدعو إليه. أما عن رؤيتي أنا المتكاملة لأمر الوطن ففي الوقت الراهن والمستقبل فهو كالآتي: (1) لقد ثبت من تجارب أقصي اليسار في ثورة مايو وتجارب اقصي اليمين في ثورة الإنقاذ والتي امتدت الي سنوات تعدت ال 16 سنة وال 24 سنة, ان هذه التجارب إقصائية وغير مؤمنة بالحوار مع الآخر حتي القريب منها فكرياً وغير مؤمنة بالتعددية الحزبية وإستعلائية تنظر للآخر علي انه متخلف حضارياً او ضعيف المعتقدات او منافق, وغير مؤمنة بالشفافية التي تكشف عن الفساد الذي قد يكون مبرراً لكونه ينجم عن تجنيب المال لتمكين التجربة وغير مؤمنة بالمساواة بين اعضائها الملتزمين وبقية أفرادالشعب ولديها مرجعيات خلف ستار الأنظمة هي التي تدير الامور وتحرك رموزها الحاكمة حسب معتقدتها وغير مؤمنة بالحريات للآخر (حق التظاهر كمثال) حتي ولو كانت منصوص عليها في الدستور وغير مؤمنة بالنقد والتصحيح من طرف الآخر حتي لو كان ذلك سلمياً عبر المذكرات أو الخطابات المفتوحة, وليس حتي التظاهرات السلمية. وهذا هو سبب التناقض مع مباديء الديمقراطية النزيهة التي يكمن فيها الحل. (2) الديمقراطية تعني سلطة الشعب وتعني التعددية الحزبية وتعني التداول السلمي للسلطة بلا عنف وتعني ان تكون هناك احزاب حاكمة وأحزاب معارضة تتعايش مع بعضها تنفيذا للاعمال ومراقبة للاداء في تناغم تام وتعني ان ينتخب الشعب ممثلية في انتخابات حرة وشفافة ونزيهة وأن يلزم الجيش (مهما كانت قدراته ولو مثل الجيش الامريكي) ثكناته ويترك شئون الحكم للمدنيين وألا تكون هناك مليشيات تعمل خارج إطار الجيش القومي وجهاز الامن الوطني, وان تتم إدارة الدولة بالمؤسسية وعبر البرامج والخطط والميزانيات المناقشة والمتفق عليها, وان يتم احترام حقوق الإنسان وحقوقالمواطن بغض النظر عن كيانه الحزبي او الإثني أو القبلي او الجهوي او القطاعي.. الخ. (3) من الواضح هنا ان السواد الاعظم من الشعب يقع بين هذين الطرفين البعيدين والذين واجهت تجاربهما تحديات كبيرة جداً في مجالات الاقتصاد والحريات والسياسة والثقافة جعلتهما في حالة جفوة تصل حد العداء والإقتتال فيما بينها وفيما بينها وبين كيانات السواد الاعظم من الشعب من احزاب تقليدية ومنظمات مجتمع مدني وخلافه. (4) وبناءا علي هذا التشخيص وبالنظر الي تجارب الربيع العربي وما افرزته في سوريا وليبيا واليمن وتونس ومصر, فلابد للسودان من قراءة هذا الكتاب المجاني “والسعيد بشوف في اخوه”. هناك حاجة ماسة لإنخراط الجميع يمين ويسار ووسط لإنتاج نظام ديمقراطي نزيه حزبي تعددي محصن ضد النزوات العسكرية والطموحات الإعتزالية لبعض الجماعات المسلحة. وليس المطلوب هو انتاج بديل ديمقراطي جيد فكرياً وضعيف الهيكل والبناء يسيل له لعاب العسكر ليلتهموه في جنح الدجي. الشعب السوداني سبق العالم العربي وغير العربي في إنتاج إنتفاضتين مباركتين ففي عامي 1964م و 1986م وقد كانت إنجازات رائعة وتاريخية ولكن للأسف عدم إعداد البديل الديمقراطي بشكل متماسك وجيد السبك ادي لوأده في مهده بحجج مختلفة لم تثبت صحتها الايام والسنون. وكمثال فإن قصيدة الملحمة التي صاغها شعر الاخ الاستاذ الشاعر الفذ هاشم صديق والتي لحنها وغناها الموسيقار محمد الامين لخصت بشكل دقيق انجاز الشعب السوداني لربيعه الاول في اكتوبر واوضع الميثاق الذي تواثق عليه الشعب لحماية اليمقراطية ولكنه بقي شعاراً ولم يترجم الي واقع فانقضت عليه مايو فراح ادراج الرياح وراح معه مناضلون من وزن الزعيم التاريخي الخالد الاستاذ اسماعيل الازهري. (5) لاشك ان الشعب السوداني شعب مسلم – والإسلام بالنسبة للسودانيين ليس فقط علاقة بين العبد وربه ولكنها علاقة مع الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ولهذا السبب نجحت الثورة المهدية بقيادة الإمام المهدي من جزيرة لبب بدنقلا ومجاهدة أهل دارفور وغيرهم في إنشاء اول دولة إسلامية دينية جمعت السودانيين علي صعيد واحد بلا قبلية ولا جهوية. اي محاولة لطرح بديل علماني محض او لا ديني مهما نادي بالديمقراطية وباعتماد دولة المواطنة واحترام حقوق الإنسان, فسوف يتم رفضه وإجهاضه بواسطة الوسط الكاسح تعداداً إلي جانب أقصي اليمين وهذا السينارو قد حدث في السابق. وعليه لابد من انتاج بديل ديقراطي يتحلي بالوسطية والإعتدال ويحترم العقيدة الإسلامية كمصدر للتشريعات الي جانب الاعراف السمحة. اما البديل لهذا السيناريو فهو فرض إرادة مرفوضة سلففاً من طرف الشعب ولا تؤدي إلا لمزيد من التشظي والتدابر الوطني والس إطالة عمر ازمة السودان السياسية والإقتصادية والإجتماعية. والله المستعان.
المهندس/ إبراهيم عيسي البيقاوي