عودة تأتي في وقت تبدو فيه ولاية النيل الأزرق في طريقها للتعافي من أثار الحرب، وتتجه لحصاد إنتاج موسم زراعي يتوقع له أن يأتي وفيراً.
وعودة العمالة الجنوبية الي سوق العمل بولاية النيل الأزرق تجئ بعد توقف استمر لعامين بسبب توتر العلاقة بين البلدين، إلا أن الزيارات المتبادلة بين الرئيسين البشير وسلفاكير، نجحت في إذابة جليد الاحتقان وقربت من شقة الخلاف، لتفضي زيارة البشير الي جوبا الي إنهاء التوتر، وبداية العودة التدريجية للعلاقات بين الشعبين خاصة أولئك القاطنين بالحدود الي سابق عهدها، وعلي أثر ذلك وصلت أعداد مقدرة من العمالة الجنوبية الي محلية التضامن التي تحدد ولاية أعالي النيل وتفصلها أقل من “100 كيلو متر” عن مقاطعة الرنك، ولم تواجه العمالة الجنوبية صعوبات في الدخول الذي جاء بعيداً عن إجراءات السفر الرسمية، إلا أن تم بعلم السلطات في البلدين.
وشهد الموسم الزراعي بولاية النيل الأزرق نجاحاً منقطع النظير ويتوقع ان يحقق إنتاجاً كبيراً وتبدو المشاريع الزراعية بمحلية التضامن في أمس الحاجة للأيدي الجنوبية العاملة التي يصفها المزارعين السودانيون بالماهرة، وذلك من واقع أن هذا الموسم شهد زراعة مليون فدان بالمحلية، منها 150 ألف فدان زرعت بمحصول السمسم الذي بدأت عمليات حصاده، و100 ألف فدان زهرة الشمس ومثلها زرعت بمحصول الدخن، و50 ألف زرعت بالقوار، و700 ألف فدان زرعت بالذرة والقطن، وتحتضن محلية التضامن أكبر مشروعين زراعيين بالولاية وهما تابعان للشركتين العربية والبرازيلية .
يشير معتمد محلية التضامن الشيخ ادهم الشيخ إدريس، إلي أن كل المؤشرات تؤكد أن الإنتاج هذا الموسم سيكون وفيراً وذلك من واقع التحضير الجيد والتأمين الذي وفرته القوات النظامية للمشاريع الزراعية والأمطار الغزيرة التي شهدتها المحلية، وقال في حديث لـ(الصحافة) أن عمليات حصاد السمسم انطلقت ويتوقع أن يحقق هذا المحصول عائداً نقدياً جيداً للمزارعين.
وعن العمالة الجنوبية يشير معتمد محلية التضامن الي أنها دخلت حدود محليته دون إجراءات رسمية ووثائق سفر ولكن بمعرفة السلطات، وقال أنها حظيت بتعامل حسن من الجهات الرسمية، واستقبال جيد من المواطنين مؤكداً أن الكثير من الجنوبيين أشادوا بما وجدوه من احترام وفرص عمل، ويلفت أدهم الي أن “السلام جا” مؤكداً أن محليته ستستفيد منهم في حصاد إنتاج الموسم الزراعي، وقال أن الرنك لا تبعد من حدود محليته الغربية سوي نصف ساعة، معتبرا دخول العمالة الجنوبية النيل الأزرق دليلاً علي الأمن والاستقرار بالولاية ويؤكد عودة العلاقة بين البلدين الي سابق عهدها.
وإذا كانت العمالة الجنوبية قد اتجهت للعمل في المشاريع الزراعية بمحلية التضامن، فإن العمالة الأثيوبية فعلت ذات الأمر بمحلية قيسان المتاخمة لدولة أثيوبيا، وذلك للمشاركة في عمليات حصاد 154ألف فدان، هذا ما يشير إليه معتمد المحلية منصور التوم، ويكشف في تصريح لـ(الصحافة) عن أن إنتاج محصول السمسم بدأ في دخول الأسواق واسهم في تحريك الحركة التجارية وقال أن محليته تشهد تداخلاً في العلاقة الاجتماعية في حدود البلدين وأن هناك قبائل مشتركة، معتبراً أن مشاركة الأيدي العاملة الأثيوبية أسهمت في إنجاح الموسم الزراعي، مثمنا الأدوار التي لعبتها القوات النظامية في تأمين الموسم الزراعي، وقال أن بعض الاحتكاكات التي تحدث بين المزارعين والرعاة يتم احتواؤها سريعاً، مؤكداً أن الموسم الزراعي هذا العام مبشر بإنتاج وفير.
من جانبه، يشير رئيس اتحاد مزارعي النيل الأزرق باكاش طلحة، إلي ان اتحادهم وبعد توفير مدخلات أنتاج بما يربو علي العشرين مليون يتجه الي تأمين آليات الحصاد والجوالات، متوقعاً في حديث لـ”الصحافة” أن يأتي الإنتاج كبيراً، وذلك م واقع التحضير الجيد والاهتمام الذي حظي به الموسم الزراعي من قبل وزارة الزراعة الاتحادية وحكومة الولاية وعدد من المصارف التي قامت بتمويل المزارعين، إلا أن باكاش انتقد دور وزارة الزراعة بالولاية التي قال أنها لم تقم بما عليها كما ينبغي، مشيراً إلي أن هناك عقبات واجهت الموسم الزراعي وتمثلت في ارتفاع تكلفة الإنتاج بداعي رفع الدعم عن المحروقات، مطالباً بضرورة رفع سعر السلم لجوال الذرة الي 250 جنيها أقل من تكلفة إنتاجه، متوقعاً ان تسجل مشاريع الشركات العاملة في الولاية وتجربة الزراعة بالتقانة الحديثة التي طبقها اتحادهم إنتاجاً قد يتجاوز الخمسة عشر جوال للفدان.
وعن العمالة الجنوبية أشار باكاش الي أنها تنحصر في محلية التضامن التي تحدد دولة الجنوب، قاطعاً بإسهامها في إنجاح عمليات الحصاد خاصة في ظل توفر الأيدي العاملة، وقال أن العمالة الجنوبية كانت تنتشر في كل إنحاء النيل الأزرق قبل الانفصال متوقعاً عودتها التدريجية الي العمل في المشاريع الزراعية بمحليات الولاية المختلفة.
وقال وزير الزراعة والثروة الحيواني بالنيل الأزرق مبارك أبكر محمد إن كل المؤشرات تدل علي نجاح الموسم الحالي، مضيفاً ان “الطواف الذي قمنا به علي المناطق الشرقية والغربية للولاية بين أنه علي الرغم من تأخر هطول الإمطار، إلا أن المزارعين تمكنوا من زراعة المحاصيل الزراعية، مشيراً إلي أنهم لم يتمكنوا من زراعة كافة المساحات بزراعة ثلاثة ملايين فدان، وأوضح الوزير أنه تم زراعة اثنين مليون فدان منها مليون ومائة فدان بالذرة، و(250) فدان سمسم، و(200) فدان من زهرة الشمس و(25) فدان قطن محور وراثياً، فيما المحاصيل الأخرى تمت زراعتها في مساحة تمثل ثلثي المساحة المستهدفة.
وأكد مبارك ان مشكلات الزراعة في الولاية تتمثل في قلة الأيدي العاملة، وقصور التمويل، والذي بلغ هذا العام من البنك الزراعي حدود (46) مليون جنيه، مضيفاً أن الوضع الأمني جيد ولا توجد مشاكل تذكر لكفاءة عمل الأجهزة الأمنية.
وينظر المحلل السياسي البروفسير حسن الساعوري الي بداية تدفق العمالة الجنوبية علي المشاريع الزراعية بالولايات الحدودية وأبرزها النيل الأزرق من زاوية إيجابية، حيث يعتبرها في حديث لـ(الصحافة) تأكيداً علي فتح باب للتعاون في المجالات المختلفة، وقال أن ذلك بدوره يقود الي عودة العلاقة بين البلدين الي طبيعتها، معتبراً ان حكومتي الدولتين أدركتا ان الحرب لا طائل من ورائها، وأن العلاقة بين البلدين عضوية ليس من المصلحة إشعال النار فيها حتي لا تحرق الطرفين، لافتاً الي أن دولة الجنوب توصلت الي أن التعامل مع السودان يختلف عن التعامل مع الدول الأفريقية.
ويري الساعوري أن عودة العمالة الجنوبية تمثل بداية جيدة لتعاون استراتيجي متوقع بين الشعبين.
صحيفة الصحافة
صديق رمضان