أتمطرنا ثجاجاً أم ستبلينا سموم.
اتفق بقدر الله قدوم الوفد الرئاسي السوداني برئاسة السيد رئيس الجمهورية إلى جوبا أمس الأول الثلاثاء 22 أكتوبر، ونزول المطر، وذلك فأل حسن عند أهل الجنوب وعندنا كذلك (كراع خضراء).
أما الأجندة لم تعد خفية، من فرط الطرق عليها فهي علامات فارقة في طريق العلاقة، ليس المشكلات العالقة الحدود، والفصل بين القوات، ودعم حركات التمرد، والفرقتان التاسعة في جنوب كردفان والعاشرة في جنوب النيل الأزرق، وتجارة الحدود، وأوضاع منسوبي البلدين، وأبيي، إنما الأثر النفسي وبقية مما تركته الحرب الأهلية بسنواتها الثقال التي عركت بذور الحياة عرك الرحى.
وجرح الانفصال الذي ما ينفك في خواطر البعض خلاص من ارتهان طويل وعند آخرين فقد عزيز وذكريات وتجزئة، وإسقاط كل ذلك بظلاله على الملفات المتداولة بين الأطراف في صمت يسميه علماء النفس (الحوار العدواني).
لكن السياسة تقفز فوق كل هذه الحواجز وتولي وجهها قبلة المصالح، سيما إذا كانت مع جوار حيوي لصيق لا فكاك منه ولا رحيل، والجار قبل الدار ولا خيرة لنا في من نجاور على مستوى الدول.
الخيارات المتاحة في تعامل البلدين الجارين ليست كثيرة العداوة، والتعوان، و(لاهذا ولا ذاك).
فأما العداوة فقد تم تجريبها وتكسرت النصال على النصال وشرب الشعبان ثمالة كؤوسها المُرة ولم يحصلا على غير الخسران وكلاهما يقول في نفسه ليت أمر الإنفصال قد كان باكراً منذ الاستقلال، إذاً لحقنت دماء وأفدت أرواح، ووفرت موارد، وطيبت خواطر، ورضيت أنفس، وازدهرت حياة، وعمرت رقاع، وكنا قد وصلنا إلى مصاف الدول ذات السيادة والعدل والقانون ورفاهية الإنسان عوضاً عن بحثنا العبثي للخلاص من شراك الفتنة التي نفخ الاستعمار نارها قبل رحيله عام 1955م في توريت، وما تزال ترمي بشررها كأنها بركان غاضب لا يهدأ أبداً.
وأما التعاون وتبادل المصالح، وطي صفحات التاريخ السوداء، وتجاوز المرارات، وإبطال محاولات الكيد والاقتصاص، ودفع فواتير الممولين بغرض إضعاف السودان وتعزيز حركات التمرد فيه وتحريضا على السعي لاقتطاع مزيد من رقعة الوطن، وارتياد أفق جديد في العلاقات بين البلدين هو عين الصواب والحكمة وكبد الحقيقة وبيت القصيد، فالشعبان هنا وهناك أضنتهما المعاناة وينتظران الفرج وبداية الإنطلاقة إلى بناء الدولة بعيداً عن هواجس الأمن ونيران الحروب وصيحات الخوف، وهما على أتم الاستعداد لإنفاذ إرادة الخير بفتح الحدود وتبادل المنافع، وتدفق السلع وحركة المواطنين في الزراعة والرعي والطلاب والمرضى ورجال الأعمال، الأمر الذي يعزز السلام ويحاصر بؤر التوترات، وسيحسب كل ذلك في ميزان الساسة ويدعم بدوره الاستقرار الإقليمي وكذلك الأمن والسلم الدوليين، لأن نار الحروب الإقليمية من مستصغر شرر الاحتكاكات الداخلية وبين الجوار.
الخيار الثالث وهو عدم القدرة على تحقيق التعاون وتحصيل المصالح المشتركة بين البلدين، وكذلك عدم الرغبة في اثارة المشكلات وتصعيد الأوضاع وتسخين الأجواء لدرجة المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بأدوات أخرى معروفة بدعم حركات تمرد أو حملات إعلامية أو تدخلات سياسية أو مماحكات وصراعات داخل دوائر الدبلوماسية وأجهزتها في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ولجانها، واللجوء إلى اسلوب الحرب الباردة بالسعي لإبطال مفعول إنجازات الخصم وإفساد ثماره قبل قطافها، هذا الأسلوب يضيع على البلدين وقتاً ثمينا هما في حاجة إليه لتعويض المفقود التنموي والاستقرار الاجتماعي وإعادة التأهيل لبنى الدولتين التحتية، وحتى مظهر الدولتين امام الملأ العالمي بأنهما عاجزتين عن الوصول إلى حل لمشكلاتهما منغمستان في التدابير الكيدية، بيمنا تعاني الشعوب ويلات الجوع والمرض والنزوح.
إن زيارة السيد الرئيس هي تأكيد المؤكد والاختيار الجهير للتعاوان وتبادل المصالح مع دولة جنوب السودان لأن تلك هي إرادة الخير التي حملت السودان على القبول بإنفصال الجنوب وحضور احتفائية الانفصال وإبداء الاستعداد على إعانة دولة جنوب السودان بكل مطلوبات التعاون، وليس فى الاقليم أقرب لجنوب السودان من الدولة الأم السودان، وليس من جوار حيوي أولى بالرعاية والاعتبار للسودان من دولة جنوب السودان التحية للمبادرات الرئاسية بين البشير وسلفاكير.
ولتبقى توريتٌ فتاةً مثلَ عاجٍ مثلَ ظلِ السُحبِ تروي الظامئينا
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]