السجون في الخرطوم في الآونة الأخيرة ما عاد أبطالها من فئات الرجال الذين هم في الغالب مرتادوها في قضايا الأموال والشيكات وسدادها، بل إن للنواعم نصيبا من الإقامة خلف القضبان؛ الدخول في عامل (البزنس) والرغبة في الاستثمار في مشروع يخال لأحداهن أن بمقدورها المضي فيه قدماً حتى يؤتي أكله ويدر عليها الأموال ويحسن من وضعها المادي أو وضع ذويها وأسرتها التي تنتظرها بفارغ الصبر؛ ربما يدفع هذا الأمر البعض منهن لخوض التجربة، أو حتى اللائي حصلن على وضع علمي أو وظيف مميز قصدن في هذا الصدد أن يستفدن منه بعد أن اكتسبن خبرة في مجالهن ليلجأن إلى تمويل عملهن الجديد بأخذ نصيب من المال على أمل رده من تشغيل العمل الجديد.
(…) فتاة عشرينية قدمت لـ(اليوم التالي) تسبق خطواتها دموعها بعد أن دخلت في تجربة مريرة أودعتها السجن لعام كامل؛ بعد أن عجزت عن تسديد 117 ألف جنيه نظير تمويل مشروع إعلامي جهزت معداته وآلياته من سلفية مستردة عبر شيكات؛ بيد أنه سرعان ما فشل المشروع في أيامه الأولى، بعد أن تنصلت الجهات والشركات التي يستهدفها؛ في وقت أُعطيت صاحبة المشروع ذات الطموح والموهبة الضوء الأخضر لتترك لملكاتها العنان لتذهب بعيداً بطموحها؛ الخطأ الوحيد الذي اعترفت به محدثتنا في حديثها لـ(اليوم التالي) أنها لم تقم بعمل توثيق قانوني عبر صيغة عقد تعامل مع الشركة المستهدفة لتحفظ حقها المادي في الصفقة في حالة فشل المشروع أو نجاحه سيما أنها اقترضت أموالا طائلة في سبيل قيامه، وحين ساعة الجد تنكرت الشركة ليوأد الحلم في مهده، بعد أن اشترت صاحبتنا بكل نقود التمويل الأجهزة التي بعد شرائها فقدت أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها حينما تم عرضها في السوق، فضلاً عن ما خسرته من نقود نظير مصارف التأسيس التي كلفت الكثير لتجد نفسها في السجن بعد أن عجز معارفها وأهلها عن تدبير مال يخرجها من مصيبتها التي اقتادتها لعام في سجون العاصمة، وبين جلسات المحاكم و(جوديات) التسوية بعد جهد شاق استطاعوا بعد طرق أبواب ديوان الزكاة والاتصال بخيرين أن يحيلوا وضعها للحرية، إذا أنها الآن خارج قضبان السجن بعد دفع مبلغ التسوية على أمل أن تدفع ما تبقى وهو 34 ألفا وتقول بأسى: “سأعود للسجن في الشهر القادم إذا لم أدبر المبلغ المتبقي، شبح السجن يلاحقنا ولا أمل في الخلاص.. لا نقود عندنا.. أنا في انتظار رحمة الله”.
صاحبة المشروع الإعلامي ستعود لتمكث في السجن أكثر مما مكثت؛ بعد أن أنقذها الله نتيجة تسوية وإن كان شبح الرجوع للسجن مخيماً في حال عدم استكمال متبقي السداد البالغ 34 ألفا، هي مقارنة بأخريات ربما تكون أفضل حالاً من غيرها خاصة أولئك اللائي تضاعفت سقوف ديونهن لملايين الجنيهات، بعد أن دخلن عالم المال والأعمال من أوسع أبوابه وكانت النتيجة دخول السجن بعد الفشل في إدارة نشاطهن التجاري لأي سبب من الأسباب.
والظاهرة؛ وإن كانت في بداياتها وأرقامها التي على السطح لا تنبئ عن إحصائيات مخيفة؛ إلا أن مجرد وجودها في مجتمعنا السوداني الذي يختفي فيه مجرد الحديث عن هذه الظاهرة، يعد أمراً جديرا بالالتفاتة من الجهات المعينة للتعاطي مع هذه الظاهرة التي باتت تظهر هنا وهناك، لمعرفة أسبابها وتداعياتها على المجتمع لمخاطبة جذورها ومن ثم الإجهاز عليها في مهدها، قبل أن يحصل ما لا تحمد عقباه وحينها لا يجدي التحسر .
صحيفة اليوم التالي
حيدر عبد الحفيظ
ع.ش