قال لي مسئول الإعلام في السفارة آنذاك، بيل ويليس “لاس فيغاس لا تُعبر عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة.. طلبت من الخارجية الأمريكية أن تنقل رحلتك إلى ميامي”.
حاجة غريبة.. انت مالك؟ دخلك شنو؟ القال ليك ما عايزة لاس فيغاس منو؟.. وبعد أن وصلته الرسالة بشيء من التهذيب، ابتسم وقال “في الحقيقة اعتذرت لنا الخارجية اليوم عن الطلب لأنها أبلغت جميع المشاركين بأماكن تواجدهم”
وبدأت الرحلة الطويلة التي صعب حسابها بالساعات، إلى هناك في أقصى جنوب الغرب الأمريكي.. مدينة الأضواء الساحرة التي لا تهدأ ولا تنام، تكررت العبارة من مسئول بالخارجية الأمريكية “لاس فيغاس لا تعبر عن الوجه الحقيقي لأمريكا، فلتحكموا بعد الذهاب إلى واشنطن”، كنا أربعة صحفيين عرب، من غزة والعراق، عمان والسودان، نعي ما يقصده المسئول، تطور الحديث في جلسة غداء، كنا ننتقد سياسة الولايات المتحدة بشدة، تعاملها بانتقائية وعدم حياديتها في قضايا الشرق الأوسط، كانت أكثرنا قسوة، هالة العراقية، التي قالت إن نظام صدام حسين الذي قتل أخاها واثنين من أعمامها، أفضل من الفوضى التي حملتها الولايات المتحدة إلى ربوع العراق.
ومع ذلك كنا نفرق تماما بين السياسة الأمريكية الخارجية، والولايات المتحدة كدولة عظمى تعرف معنى الديمقراطية وتطبقها في منهج حياتها اليومية، هي الدولة التي تنتهج الحكم الرشيد والشفافية، تدافع عن الحريات وتقدس الإعلام والصحافة، تكافح الفساد، يطال القانون رئيسها ويحاسب الجميع فيها على حد سواء.
منذ التسعينيات ونحن نسمع “الشيطان الأكبر” ، “دولة الاستكبار”، “العدو الأمريكي”، وأوصاف أخرى تُطلق على هذه الدولة، رغم أن المسئولين هناك إن أرادوا إساءتنا فإنهم يستخدمون كلمة “الحكومة السودانية” أو “النظام القائم”.
استغربت كثيرا حينما جاء المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن في أول زيارة له إلى السودان، كنت أقف أمامه حينما قال بلغة عربية “أنا أحب السودان والسودانيين” وتساءلت في نفسي، هل يمكن أن يقول أي مسئول سوداني “أنه يحب أمريكا والأمريكان”.. بلا شك سيكون “إنبطاحي كبير” إن لم يصنف “عميل خائن”..!!
وزير الخارجية علي كرتي، قال في حوار مع الزميلة (الخرطوم) أنهم يرفضون الاستمرار في شيطنة الولايات المتحدة، لأن هناك جهات داخل أمريكا ترغب في التعامل مع السودان، وهو حديث جيد وإن جاء متأخرا بعض الشيء.
نظرية أن السودان يستطيع العيش بدون الولايات المتحدة تمت تجربتها والنتيجة أنه عاش، ولكن بقسوة، فالشعب هو الخاسر قبل الحكومة، تعطل البعثات الدراسية، تأخر دخول التكنولوجيا، وأشياء كثيرة يصعب حصرها.
شئنا أم أبينا، رضا أمريكا من شأنه جلب الراحة، لكن في ذات الوقت، يتضح أن الولايات المتحدة لم تعد تلك الدولة القوية في ممارسة أي من ضغوط على السودان، فإن لم تغير من سياستها وتقدم المحفزات، لن تكون مؤثرة أو مؤهلة في إخضاع الدولة لأي ضغوط أو عقوبات.
أمريكا دولة جميلة وشعبها راقٍ ومتحضر، يبتسم لك صباحا ومساءً ومستعد لتقديم المساعدة في أي وقت، والانطباع ليس لأني زرتها لبضعة أسابيع، لكن لأن الديمقراطية ليست معنىً سياسياً إنما اجتماعيا يدخل في حياة الناس ويتطور كل يوم.!
لينا يعقوب