عليك التدقيق عزيزي القارئ. الأمر متعلق بحمل العصي لا باستخدامها!
على بوابة السفارة الليبية بالخرطوم تتكسر عصي رجال الشرطة على ظهور الباحثين عن تأشيرة هروب من الوطن وعندئذ تخرج أحزمة البناطلين من مرابطها لتكمل مهام تنظيم الصفوف!
وبعض موظفي السفارة يعجبهم المظهر بكل ما فيه من إثارة وعنف فيستخدمون كاميرات الموبايل لتوثيق المشاهد!
وحينما يرى موظفو السفارة القسوة التي يتم بها التعامل مع المتقدمين للعمل في ليبيا تصيبهم عدوى العنف فيمارسون سادية إدارية فظة مع المتقدمين عبر تعامل لا يخلو من الصلف والازدراء!
والسودانيون الذين يرغبون في الهجرة للعمل في ليبيا هم مجموعات مؤلفة من الشباب خريجي الجامعات السودانية كليات الطب والجيلوجيا والاقتصاد وغيرها يغادرون الوطن على عقودات عمال مزارع ورعاة ماشية وعلى ظهورهم أثر السياط وعلى كبريائهم جرح غائر!
يريدون الهروب من الوطن الى مهاجر الصحراء، التي ما كانوا ليذهبوا إليها لولا أن الوطن الأخضر قد ضاق عليهم -بما اتسع من أميال- حينما أصبح رزقهم فيه عصي المنال!
شباب ينامون على الأرض من الليل الى الفجر جوار السفارة الليبية للفوز بفرصة الوصول الى النافذة لعلهم يحظون بختم التأشيرة أو ترد إليهم أوراقهم وهي حسيرة ليعاودوا الكرة مرة أخرى أو مرتين.
يومان فقط طوال الأسبوع تفتح فيهما نافذة السفارة الليبية على مهل مستفز ودلال متأبٍّ!
هناك من لم يتمكن من الوصول الى النافذة منذ 8 أشهر فقام خلالها بتجديد أوراق الفيش والكشف الطبي مرتين أو أكثر لتصبح صالحة للعرض على موظف السفارة الليبية. وسكان الصفوف هناك يروون قصصاً وروايات عن وجود تجاوزات يحتاج إثباتها لأدلة وبراهين!
الشاب عبد الله الصديق قال لي وعلى عينه دمعة تستأذن للعبور: “الناس ديل هم شايفين أهلنا في السودان بعاملون كدا هم هناك حيعاملونا كيف؟)!
يبدو أن الربيع العربي لم يغير في سلوك الدولة الليبية فلا تزال عنجهية وصلف الرئيس القذافي تسري في مفاصلها.
في أيام القذافي قامت السلطات الليبية بترحيل عدد من السودانيين إلى مطار الخرطوم ـ بملابسهم الداخليةـ دون أن يسمحوا لهم بترتيب أوضاع أسرهم الصغيرة ولا بارتداء ما يستر حالهم من أنظار الأحباب والمستفسرين والشامتين.!
مشاهد لا تقل قسوة ولا بربرية، درجت عليها السلطات الليبية في التعامل مع المقيمين السودانيين بأراضيها.
وقبل سنوات نقلت الصحافة السودانية صور أعداد من السودانيين تم ترحيلهم من ليبيا على وجه المباغتة، وحينما هبطت الطائرة بمطار الخرطوم اعتصموا داخلها وانخرطوا في بكاء جماعي مرير، كأنهم أطفال صغار، افتقدوا حماية الأسرة ونصرة الأهل والوطن!
ودبلوماسية الصمت السودانية تعودت أمس واليوم أن تمتص – دون أنين- جرعات الاستفزاز المتتالية من ليبيا القذافي الى ليبيا التغيير!
وثمة أمر محزن ومؤلم وموجع دوماً في كثير من القضايا ذات الصلة بليبيا القذافي وليبيا اليوم، إذ تجد أن الحكومات السودانية يصعب عليها أن تعبر عن احتجاجها أو غضبها من تصرف تم أو تصريح قيل أو موقف اتخذ من قبل الليبيين. لذا ظلت الحكومات في كل الظروف تختار الصمت العاتب على المواجهة الصريحة.!
السادة أصحاب المعالي:
إذا فشلتم في توفير ظروف حياة مناسبة لهؤلاء الشباب داخل وطنهم عليكم أن توفروا لهم ظروف مغادرة كريمة!
ضياء الدين بلال – رئيس تحرير السوداني