العنطزة بالقمامة

العنطزة بالقمامة
[JUSTIFY] عندما لحقت بي أسرتي في بريطانيا عام ١٩٩٤، بعد أن التحقت بتلفزيون بي بي سي، كانت أكبر مشكلة واجهتنا، هي كيفية التخلص من الكشرة أي الزبالة أي القمامة، فقد كانت السلطات المحلية تجمع القمامة مرة واحدة في الأسبوع وكان البرميل المخصص لجمع القمامة طوال أسبوع لا يكفي لصادرات أسرتي من القمامة ليوم واحد، وأحيانا لنصف يوم (بعد وجبة دسمة) فلجأت إلى إخفاء أكياس القمامة في حديقة البيت الخلفية، وفي اليوم المخصص لجمعها كنت أقدم بقشيشا لعمال النظافة فيتولون تطهير الحديقة من تلك الأكياس السوداء الكئيبة… وخلال أشهر قليلة كنت قد تخلصت مما تبقى في جسمي وذهني من جينات عربية، وصرنا مثل الخواجات نشتري ونطهو يوميا ما يكفينا من طعام.. ونشتري اللحم بالباوند وهو أقل من نصف الكيلو، والدجاج بالقطعة، وليس بالجملة.. وأذكر كيف كانت عينا زوجتي تمتلئان بالدموع كلما دخلت البيت ومعي برتقال وموز بـ«الحساب»، أي بعدد أفراد العائلة بالضبط، فقد كانت المسكينة تتذكر كيف أننا كنا في الخليج وقبل انتقالنا إلى لندن نشتري الفواكه بـ«الصندوق».. واللحم ب«نُص الخروف».. ومن عجائب الأمور أن المدام لا تشتري (طوال إقامتنا في منطقة الخليج) الدجاج المجمد بل تشتري الطازج وتخزنه في الثلاجة حتى يصبح «مجمدا».

وتقول الصحف البريطانية إن هناك اتجاها لوزن قمامة كل بيت ومحاسبة أهل البيت على التخلص منها «بالكيلو» يعني قمامتك تزن ٢٠ كيلوغراما تدفع عليها جنيها وغيرك يدفع جنيهين أو نصف جنيه، ويبدو لي أن البريطانيين توصلوا إلى هذا الحل بعد أن أصبح العرب أغلبية في مدنهم الكبرى وبخاصة عاصمتهم لندن، وكما هو معروف فأن الأسر العربية تتباهى بحجم الزبالة / القمامة التي تتخلص منها يوميا. فإذا كانت أسرة السيد سين ترمي في البراميل يوميا ثلاثة كيلوغرامات من الأرز ومثلها من العظام المكسوة لحما، فان أسرة السيد صاد تشتري خروفا ثم ترمى به حيا في برميل الزبالة كيف يعرف القاصي والداني أنها أسرة شبعانة و«مش سهلة».

هذا الوضع نتج عن سوء فهم.. فلأننا أمة بلا حاضر أو مستقبل ، ولأننا سمعنا أن أجدادنا كانوا من الكرم بحيث كانوا يذبحون للضيف الواحد ناقة أو عجلا أو تيسا، فإننا نريد ان نثبت أننا لسنا «أقل» من أسلافنا، ونضع أمام الضيف الواحد من الطعام ما يكفي أسرة بأكملها لشهر كامل ثم نلقي بالباقي في الشارع كي يرى الجيران «إمكانياتنا»، سوء الفهم نتج عن عدم إدراك أن ضيوف أجدادنا كانوا مثل إبلهم، من النوع الذي يبقى من دون طعام أو شراب ليومين، وما أن يحلوا بدار كريم حتى يقضوا على الأخضر واليابس: أما ضيوف زماننا هذا فأمرهم عجيب: هذا لا يأكل اللحم لأنه يعاني من النقرس أو ارتفاع الكولسترول.. وذاك لا يأكل السلطة لأنه من جماعة «السلام الأخضر»، وغيره لا يأكل السمك والدجاج لأنها حيوانات مقرفة.. والنتيجة هي أن كل طعام يوضع أمام ضيوف، تكون له «بواقي» مكانها مقلب القمامة، وبالتالي فإن شوارع معظم المدن العربية تعج بحيوانات ضالة اكثر صحة وعافية من بني البشر،.. والله في شوارع العاصمة القطرية الدوحة قطط، من النوع الذي يقطع عليك الطريق ويتحداك: لو راجل دوسني وأمشي فوقي، ولو تمرجلت ودستها أصيبت سيارتك بتهتك في العمود الفقري، لأن القطة تفرد عضلاتها وتجعل السيارة تميل يمينا أو شمالا حتى تفلت هي من السحل.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version