في ظل وجود مغتربين بالسودان :لعبــة البحث عــن وظيفــة…

[ALIGN=JUSTIFY]«أيها الفلاحون أيها المستثمرون هيا بنا الى ان» .. الشعار السابق الذي اطلقه رجال اعمال ومستثمرون مصريون عبر قناة «دريم» الفضائية في حملتهم لزراعة(5) ملايين فدان وتوطين (5) ملايين عامل وفلاح مصري بالسودان.. قد يرسم ملمحا لواقع قد تتضح ملامحه قريبا … ساعد في رسم هذا الواقع تواجد « لا تخطئه العين» .. لعدد مقدر من العمالة المصرية التي تتسرب لسوق العمل السوداني «سريعا»وهي تضم «عمال البناء والسمكرجية والتجار وحتى الخطاطون والباعة الجائلون» …العمالة السابقة والتي وصلت حتى الى المزارعين … بدأت في فرز واقع جديد لا ينكره احد ..البعض يؤيده وآخرون يعارضون ولكل اسبابه …ولكنه واقع يبرز العديد من التحديات والتساؤلات للعامل السوداني والجهات المسئولة وللمصريين انفسهم ..
* بأحد الأحياء جنوب الخرطوم جلست الى مجموعة من «التجار» المصريين ..والذين كانوا في اغلبهم شبابا ينتمون الى منطقة جغرافية واحدة وتربطهم صلات القربى والنسب ببعضهم البعض …استقبلوني بترحاب في المنزل الذي يستأجرونه ..وقد لاحظت ان المكان مرتب ونظيف ويبدو ان بعضهم كان يشاهد قناة الافلام المصرية «ميلودي» التي وجدتها تعرض احد الأفلام المصرية …
* مجموعة التجار هذه تعمل في مجال بيع الأواني والمستلزمات المنزلية ذات التصنيع المصري والصيني «كما علمت منهم لاحقا»… جلست اليهم وقد ظهرت على وجوههم العديد من الاستفهامات التي اتسعت دائرتها بعد ان علموا باني صحفية .. فتحدث اولهم واوضح لي بانهم يدخلون عن اوراق رسمية ويمرون عبر نقاط الجمارك بأسوان وحلفا لتحمل بعدها بضائعهم في شاحنات «Z Y « من حلفا للخرطوم … اما اقدمهم والذي قال انه اتى للسودان لاول مرة في العام 2003م فبدا انه منحاز للسودان حتى بجوه الحار الذي اشتكى منه بعضهم حيث قال ( يوجد فرق بين السودان والدول العربية الاخرى في السودان احس اني في بلدي و اجد طبيعة مصرومناخها «لان عندنا اماكن سخنة برضو» والمعاملة الطيبة )..وتابع بالقول ( المجتمع السوداني تقبلنا اكثر من المجتمعات الاخرى ونحس كاننا في مصر وانا شخصيا السودان عندي احسن من مصر ) .
* اصغرهم سنا والذي وجدته يستعد للسفر الى مصر ليعود مرة اخرى بعد اشهر فشكا من سخونة الجو وتحدث قائلا ( العمالة الاجنبية شيء عادي في مصر ولا نستغرب منظر الاجانب لان مصر دولة سياحية يأتيها الناس من كل مكان في العالم ).
* و يبدو ان العمالة المصرية تلاقي استحسان الكثيرين ومنهم محمد علي الذي كان لديه عامل سباكة سوداني يأتيه شهريا ليصلح له توصيلات « السايفون».. ففكر في استبداله بمصري وقد كان فما كان من السباك المصري الا ان قام باصلاح العطل مقابل مبلغ زهيد … والى الآن لم يحتاج الى ان يعيد الكرة مرة اخرى .
* المعلومات التي تحصلت عليها من واقع دراسات الجدوى المقدمة لوزارة الاستثمار تقول بان حجم الاستثمارات المصرية المصدقة في السودان من العام 2000 وحتى 2007م يتصاعد حيث سجل في العام 2000 (7) مشاريع مصدقة وفي العام 2001 (12) وفي العام 2002 (17) وفي العام 2003 (31) وفي العام 2004(117) وفي العام 2005 (173) وفي العام 2006(380) وفي العام 2007(615) مشروعا ..باجمالي 1352 مشروع.
* يبدو ان السودان في طريقه لان يصبح الخيار الاول الآن لدى المصريين عمالة واستثمار .. ربما وجود بيئة العمل ومتطلبات الاستثمارالمناسبة احد الدوافع التي جعلت العمالة المصرية والاستثمارات المصرية تتجه الى السودان … ولكن احد الخبراء في الشأن المصري قال لي ان هنالك اسباب عدة جعلت العمالة المصرية تتجه الى السودان وجعلت السلطات المصرية تقترب الآن من اتخاذ قرار استراتيجي بنقل مئات الآلاف من الاسر المصرية باتجاه الحدود السودانية وتحديدا منطقة ارقين لتوطينهم فيها ويهدف القرار الى حل ازمة الغذاء في مصر واهم هذه الاسباب.. الظروف الاقتصادية والاشكالات التي حدثت للعمالة المصرية بليبيا والعراق ..حيث يصل تعداد العمالة المصرية بليبيا الى مئات الآلاف مع وجود اكثر من (3) ملايين مصري اغلبهم مزارعين بالعراق واجهوا اوضاعا صعبة عقب سقوط نظام صدام حسين .
* ويواصل الخبير في الحديث بالقول واجهت العمالة المصرية بليبيا فترات عصيبة ولا زالت فقد اغلقت ليبيا حدودها امام العمالة في السنوات القليلة الماضية وفرضت شروط عمل جديدة تمنع غير المتعاقدين من العمل في سوق العمل الليبية … كما نزحت اعداد كبيرة من العمالة المصرية من ليبيا بلغ عددهم في اربعة ايام (32) الف مصري . ويرى الخبير ان هذه كانت اهم الاسباب ولا منفذ آخر غير الاتجاه جنوبا الى حيث الاراضي البكر الشاسعة والاستثمار وفوق كل ذلك طبيعة الانسان السوداني «الطيب» المتقبل للغير .. لذلك فان السودان يمثل بعدا استراتيجيا اقتصاديا لمصر .
* الكاتب الصحفي الدكتور ايمن زهري كان قد كتب مقالا بجريدة الاهالي بتاريخ 14 فبراير 2007م العدد 1314 اتفق فيه مع الخبير المصري في كثير مما ذهب اليه حيث تحدث في مقالته عن الاجراءات التي قامت بها الجماهيرية الليبية لتنظيم العمالة الوافدة اليها وقال في مقالته ان ليبيا كانت خلال العشرية الاخيرة الملاذ الاخير بالنسبة للعمالة المصرية غير الماهرة بعد ان كادت دول الخليج العربي تغلق الابواب امام العمالة المصرية التي تخوض منافسة غير متكافئة مع العمالة الآسيوية الرخيصة والمطيعة كما فقدت العمالة المصرية بسبب حرب العراق احد اسواقها الكبيرة كما ان تنظيم سوق العمل بين مصر والاردن ادى بدوره الى ارتفاع تكلفة الحصول على عقد عمل في الاردن ..واضاف قائلا ( ليبيا اجتذبت آلاف الشباب المصريين هربا من البطالة ولسهولة التجربة ورخص تكاليف السفر ).
* د. ايمن قال ان مصر استفادت من هجرة ابنائها في تخفيف الضغط على السوق الداخلي وتخفيف حدة البطالة ..ورجع ايمن للتحدث عن الضوابط التي اتخذتها الجماهيرية في ختام مقالته بالقول ( قد تكون الحسنة الوحيدة التي ستعود على ابناء مصر هي سد باب كبير من ابواب الهجرة غير المشروعة وربما يمثل نوعا من حقن دماء شباب مصر التي تنزف في حوض البحر الابيض المتوسط أملا في الوصول الى الجنة الاوربية عبر القوارب المتهالكة التي تنطلق من الشواطئ الليبية )..وعن انعكاس ذلك على سوق العمل المصري وهجرة العمالة المصرية قال ( لابد ان يؤدي ذلك الى ارتفاع تكاليف السفر للاردن ودول الخليج العربي وارتفاع تكاليف السفر المشروع وغير المشروع لاوربا عن طريق الجو وربما عن طريق البحر من خلال دول اخرى مطلة على البحر الابيض المتوسط ).
* من الجهات التي تقف الآن مراقبة لما يحدث وهي غير راضية عن ما يحدث بسوق العمل عموما اتحاد نقابات عمال السودان …جلست الى الاستاذ هاشم احمد البشير امين علاقات العمل بالاتحاد فبدأ حديثه معي بالقول ان العمالة الاجنبية «بشكل عام» يحكمها قانون العمل وهنالك فصل مختص بغير السودانيين ينص على انه لا يجوز استخدام عامل غير سوداني الا في حال عدم وجود سوداني مؤهل لشغل الوظيفة ففي هذه الحالة يجوز استخدام العامل الاجنبي شريطة ان يصاحب عقد العمل تدريب عامل او اكثر لفترة معلومة يحددها العقد.
* وتابع قائلا ( أما ما نراه الآن بسوق العمل فهو خروج صريح عن القانون ولا شك انها جريمة ترتكب في حق العمال والسودان حيث اصبحت العمالة المنتشرة الآن اقرب الى الهامشية منها الى العمالة التي اشار اليها القانون، كما نشأت وكالات للاستخدام جعلت من العامل سلعة فهو يعمل دون تحديد ساعات عمل ودون حماية اجتماعية او ضمانات وهذه اشياء تسيء الى السودان ) ..
* الاستاذة حنان ابراهيم الجاك المتخصصة في علم الاجتماع علقت على الامر بالقول ( ثقافتنا الاجتماعية ضحلة جدا وتقليدية تحد من الطموح ) واضافت ( اي انسان في مركز صناعة القرار قد يتجاوز القوانين ويفتح الباب لهجرة معاكسة )… وتابعت ( تنمية الانسان ليست الاساس على مستوى الدولة كما انه لا يوجد استيعاب بالوظائف وهنالك اشكالية الولاءات ولا توجد موازنات بين الخريجين وسوق العمل فهنالك عدد كبير من الجامعات ولكن لا توجد مقارنة بينهم وسوق العمل ).
* هاشم يرى ان ما يحدث بسوق العمل الآن له أثره على العمالة السودانية وضرب مثلا بما حدث بمصنع سيراميك رأس الخيمة حيث تم استبعاد العمالة السودانية واستبدالها باخرى اجنبية وهو سلوك خطيراصبح سائدا في كثير من المؤسسات وهومهدد للاقتصاد السوداني ..هاشم عاد وقال ( نحن لانعترض على استقدام الخبرة التي تضيف وهذا ما نص عليه القانون صراحة )… حنان قالت ان هنالك «عقدة» موجودة وهي تمييز الاجنبي وضربت مثلا بالقول ( الاستاذ الاجنبي ينظر له نظرة تقييم ودائما ما يكون مميزاً بمستوىً عالٍ اما السوداني فالنظرة التقييمية له ضعيفة جدا وهذه الاشياء لها افرازات سالبة )..وتابعت ( الاستثمار والانفتاح ادى لنتائج عكسية فاي مؤسسة هي التي تستجلب عمالتها ).
* وعن اتجاه العمالة المصرية للسودان قالت حنان ( مصر تعيش ضغوطاً اقتصادية وهنالك اعتقاد لدى المصريين ان السودان به اموال واوضاع افضل فالمئة دولار تعادل بالمصري «560»جنيه مصري وهي مبلغ غير بسيط )..وتواصل ( المصري في السودان امام تحدي وليس لديه سند اجتماعي او اسري لذلك فهو «كعامل» يقبل باقل الاسعار لينجز ما يعد تفوقا )..سبب آخر تضيفه حنان ساعد المصريين على التوجه نحو السودان وهو (كرم الشعب السوداني )..وتواصل في ذكر الاسباب قالت ( هنالك نظرة اجتماعية خطيرة لمفهوم العمل الشريف مما يؤثر حتى على استقرار الشباب فالوظيفة الهامشية احد اسباب الرفض الاجتماعي ومردودها سلبي لذلك نجد ان الشاب يفضل ان يتعلل بعدم وجود عمل من ان يعمل بوظيفة هامشية يرفض بسببها في حال تقدم للزواج من احد الفتيات )..وتضيف قائلة ـ ليس لدينا شخصيات شجاعة تقتحم هذه الاشياء ).
* وتشير الى ان العامل المصري يقبل بهذا ولا يهمه شيء لان هذا هو الوضع الذي يعيشه في بلده «يعمل باي مجال»..نقطة اخرى تحدثت عنها حنان وهي التدريب حيث ان العمالة التي تأتي من الخارج «مدربة» وتجيد عملها بصورة افضل ..قالت ( سوق العمل واسع لكننا لانهتم بتطوير المهارات فالعامل المصري مثلا يأتي مؤهلاً لان الحياة عركته ونحن نعاني من اشكالات في التدريب وحتى التدريب الذي يقدم يجب ان تدفع له رسوم لذلك عندما يغترب السوداني فانه يعمل بوظائف لا تحتاج لمهارات ).
* هاشم نفى عن العمالة السودانية الاتهام بانها كسولة وغير مدربة قال ( الحديث عن كسل العمالة السوانية وعدم كفاءتها ….غير حقيقي ومجافي للواقع فمشكلات العمل في السودان في المقام الاول مشكلة اجور فالاجور الآن لا تزيد عن 30% من مستوى المعيشة وهنالك اشكالات ببيئة وادارات العمل والالتزام بالنظم .. ويكفينا فخرا ان العامل السوداني هو من بنى الخليج لكننا اصبحنا نفتقر للادارة المسئولة والاجور الموضوعية وهذه هي النتيجة )…وعن التدريب قال ان قانون التدريب معطل ومراكز التدريب المهني تم نزعها … واضاف متسائلا ( كيف نوجد عمالة متقدمة وهي تعتمد على ذاتها في التدريب والتطوير .. العمال مسئولية الدولة والمخدمين ).
* هذا الواقع الى اين يفضي ؟ … حنان قالت ( نحن لا ننظر الى الجوانب السلبية للعمالة الاجنبية باعدادها المتزايدة «بصورة عامة»… مثل المردود الاخلاقي والسلوكي» وانما ننظر لانجازاتها فقط فالجرائم المرتكبة بواسطة الأجانب بلغت (10)آلاف جريمة في العام الماضي …واذا استمر الحال على ماهو عليه سيأتي يوم تتحول فيه كل العمالة السودانية للواقع الاجنبي ويقف السودان متفرجا ما لم تلتفت الدولة لمعالجة الامر).. اما هاشم فقال ( لازلنا نقول انه يتوجب على وزارة العمل ان تتحمل مسئوليتها ولا نتحدث عن مصر فقط التي لديها مميزات يجب ان تنفذ في اطار القانون ونقول لوزير الداخلية والاجهزة المختصة احموا السودان والعامل السوداني والتزموا القانون واعلموا انكم مسئولون امام الله سبحانه وتعالى ).
* يبدو ان بوصلة العمل تشيرالى السودان … الارض البكر الواعدة الشاسعة «ذات القلب الطيب «…ويبدو ان اسواقنا واراضينا ستشهد تدافع المزيد لينتفعوا وربما ليقيموا فيها… وقد يكون ما يحدث احد ضرائب الاستثمار والبترول والسياسات الانفتاحية … التي تدفعها كل دولة «بترولية» او كل دولة يتوقع ان تصبح «سلة غذاء العالم» … تبقى تساؤلات مطروحة على طاولات متخذي القرار بهذا البلد … هل يستطيع العامل السوداني ان ينافس… وهو يعاني اشكالات التدريب والتقييم .. وفي ظل غياب خطط موضوعة لتنمية الانسان …ووظائف تستوعب الاعداد المتزايدة من الشباب العاطل عن العمل …وعدم وجود موازنات بين ما يدرسه الخريجون وحاجة السوق..وتشبعنا كسودانيين بعادات وتقاليد تقف حاجزا بين الشباب السوداني والعمل الشريف..واشكالات اجور وتعطل قوانين التدريب.. هل تحوطنا واحترزنا من القادم … ام سيشهد السودان هجرة معاكسة للعامل السوداني ليبحث له عن موطئ قدم في مكان آخر بعد سحب الأجانب البساط من أرجله… سلمى فتح الباب
صحيفة الصحافه
[/ALIGN]
Exit mobile version