فقد اختار الجناحان حينها كلمة المؤتمر، واختار الحزب الحاكم كلمة الوطني، بينما اختار الثاني كلمة الشعبي، وصار الموتمر الوطني والموتمر الشعبي أخوة الأمس أعداء اليوم.
وبالرغم من المفارقة بإحسان إلا أن تداعيات هذا الفراق أدخلت الإسلاميين إلى نادي الأحزاب المنشطرة والمشطورة، مثلهم مثل أحزاب الأمة والاتحادي الذين انقسموا إلى مثنى وثلاث
وأمامنا قصة المثل الشعبي ( طباخ السم لازم يتذوقه ) باعتبار أن الموتمر الوطني قبل الانقسام ساهم في تفتيت أحزاب الأمة والاتحادي وأذاق بعضها عسل السلطة.
نفس الكأس
هاهو المؤتمر الوطني يشرب من نفس الكأس بعد أن انفصل جزء منه، وعرف لاحقاً بالشعبي أو ما يطلق عليهم أهل الفكرة.
شريط طويل مرَّ أمامي من الثاني عشر من ديسمبر للعام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين، لحظة الخروج الكبير، وخمس صحف من صحف الخرطوم أمس وهي تنقل خبر محاسبة مجموعة الواحد وثلاثين التي رفعت مذكرة للرئيس تطالب بالإصلاح. وعلى رأس هؤلاء غازي صلاح الدين وحسن عثمان رزق والعميد ( م ) ود إبراهيم صاحب أنشوده جاهد يا مجاهد.
فقد أوضح الأمين السياسي للحزب الحاكم د. حسبو عبد الرحمن، أن هؤلاء الثلاثة وثلاثين خرجوا على لوائح الحزب لأن القرارات تلك أجيزت قبل ثمانية أشهر وسينتظر هؤلاء عقوبة تنظيمية.
فماهو شكل العقوبة التي تنتظر هؤلاء، هل سيعفى غازي من دائرته؟ أم تفرض عليه عقوبة تنظيمية بتحفيظه جزءاً من القرآن أو بعضاً من علوم الحديث؟ وفي اعتقادي أن تباين الأفكار وتلاقح الرؤى مطلوب في هذه المرحلة، والمطلوب من الحزب الحاكم عدم التفريط في أبنائه بالمغاضبة.
التعديل القادم
لو كنت من صناع القرار لاستوعبت غازي في حكومة التسعة عشر شهراً، والتي تنتهي بانتخابات أبريل ألفين وخمسة عشر، في خارجية السودان، إن لم يكن وزيراً فمسئولاً عن الإدارة الأوروبية أو الأميركتين أو الأفريقية.
وأقيم بعدها فترته. هل فتح لي آفاقاً وأحسن إدارة الملفات؟ أو أستوعبه في وزارة الثقافة. والمشير البشير طالب بإحياء مشروعهم الثقافي، فهل يكلف غازي به !.
وكذلك أخونا حسن عثمان رزق إذا ضاقت به مواعين الحركة الإسلامية بالخرطوم، فيمكن أن آتي به في تربية الخرطوم الاتحادية! بعد أن تكون سعاد قد عبرت لمستشارية المرأة والطفل، وبذا يحافظ الحزب الحاكم على مشروعه الثقافي والفكري.
أما العميد ود إبراهيم فسفارات السودان على قفا من يشيل، فيمكن استيعابه في سفارتنا بيوغندا لتحسين العلاقات، أو الذهاب به لكينيا، أو تشاد، أو أفريقيا الوسطى. للدول التي يجمعنا معها رباط القبيلة، والمصالح الاقتصادية، وبذلك نكون قد أقفلنا عدداً من الثغرات.
الوعاء الجامع
فهل يحتمل الحزب فراق هؤلاء؟ أم يضمهم تحت جناحه. وتقول بعض سطور المذكرة التي رفعها غازي وشركاؤه متحدثة عن الإجراءات الأخيره لرفع الدعم.
(إن هذه الإجراءات لم تجز من قبل المجلس الوطني، بل هي لم تعرض عليه أصلاً رغم اشتمالها على تعديلات أساسية في بند إيرادات الحكومة، هذه الإجراءات لم تجد قبولاً حتى من قبل قطاعات المؤتمر الوطني، وقدمت بدائل من أفراد وخبراء وقوى سياسية، لكن البدائل لم تنل اعتباراً وأصرّت الحكومة على تطبيق الإجراءات كما هي غير مبالية بآثارها ومدى قدرة المواطنين على احتمالها).
وهذا من صميم عمل غازي باعتباره نائباً بالبرلمان فلماذا لم تعرض عليهم؟ وعلى الأقل كانت أخرجت الحكومة من الحرج، باعتبار أن من أجاز الحزمة هم ممثلو الدوائر بالمجلس الوطني، فكانت على الأقل وجدت الغطاء الشعبي، باعتبار النائب هو رئيس جمهورية في دائرته، لأنه المتحدث الرسمي بها، هذه واحدة وأجدهم محقين في ذلك.
لا شيء يعدل الوطن
ونمضي في سطور المذكرة (ونحن نعلم أن من أهم مقاصد الشريعة تعظيم حرمة الدماء، والعدل بين الرعية، ونجدة ضعفائها، ورحمة فقرائها، وإحقاق الحقوق ومن بينها حق الاعتقاد والرأي والتعبير عنهما.) فالرئيس والوالي هم مسئولون عن كل المواطنين الذين قالوا لهم نعم في التصويت، أو الذين قالوا لا، لأن الوطن يسع الجميع. فلنتعلم الحكمة من طيور اليمن في قصيدة لشاعر (يابن السبيل هل عرفت ما الوطن هب جنة الخلد اليمن، لا شيء يعدل الوطن).
وهذه الثانية وكما قال المصطفى عليه السلام: “من لا يرحم لا يُرحم”. ونمضي في سطور المذكرة وهي تطالب بإعطاء الخبز لخبازه لأن الفريق الاقتصادي الحالي أعيته الحيلة، فلنطعمه بآخرين وتقول بعض سطور المذكرة .
(إسناد ملف الإجراءات الاقتصادية لفريق اقتصادي مهني وطني، يمكن تطعيمه بعناصر من القوى السياسية المختلفة، وتكون مهمته الاتفاق على وصفة للمعالجات العاجلة للأزمة في غضون أسبوعين، تشكيل آلية وفاق وطني من القوى السياسية لمعالجة الموضوعات.) هذه بعض سطور المذكرة لأنني لم أتمكن من نسخها من مواقع التواصل الاجتماعي.
هجره العقول
فغازي وود إبراهيم وحسن عثمان رزق، والذين خافوا من ذهب المعز، فتنكروا لتوقيعهم، مكانهم حوش المؤتمر الوطني بشارع أفريقيا حتى لا يذهبوا لشارع البلدية لتسجيل حزب جديد، مثلهم مثل أمين بناني والشهيد مكي بلايل.
فهل يتدخل عقلاء الوطني لمنع النزيف، وأمامنا قصة مقتل حجر بن عدي وأحدهم يسأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أين غاب عنك حلمك فيرد معاوية آسياً حين غاب عني أمثالك.
فالمطلوب النصح لهؤلاء والجلوس معهم في الأمسيات في دار الوطني حتى يبقى الوطن في هامات الثريا، فهل يربط غازي وشركاؤه في سارية مسجد الموتمر الوطني، وتحل عليهم العقوبة التنظيمية، أم تضيق المواعين فتهاجر عقول الرجال إلى أودية الفكر والإصلاح.
فكفى نزيفاً فالوطن لا يحتمل الجراح، والحزب لا يحتمل الانقسام، لأن سفينة الإنقاذ بخروج غازي لن تسير لأنه من ينفخ ريحها ويحرك سماء فكرها وأشرعتها.
فماهي مساهمات الذين يطالبون بعزلهم وأين نقدهم، أم أن الوظيفة الحكومية والرياش والديباج والحلي والحلل، جعلت إخوتنا يضيقون ذرعاً بزملاء الفكرة،وصانعها صنديد دار الهاتف غازي من أهل بدر.
ولعل الله قد اطلع على أهل بدر وقال لهم افعلوا ماشئتم فعلى شيوخنا الثلاثة المشير وشيخ علي والحاج آدم، الجلوس معهم تراتبياً والاستماع والإنصات لهم بعد أن أنكر المتحدثون باسم الوطني تسليم المذكرة، وحلت في مواقع التواصل الاجتماعي.
فهل سلم غازي وشركاؤه، المهندس قبيس أحد ناطقي الوطني المذكرة بسيرك، أم عبر الإيميل، فإذا كانت عبر الإيميل ارسلوا لنا تاريخ التسليم، وإذا كانت عبر السيرك ارسلوا رقم الخطاب.
بقلم: معتصم طه
كاتب وصحفى
شبكة الشروق