النفايات الطبية .. الخطر القادم في صمت

[JUSTIFY]في السنوات الأخيرة وعلى مستوى العالم، عُقدت عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم اللوائح والتشريعات التي تتحكم في الحد من خطورة النفايات الطبية على البشرية، والتقليل من مساحة التلوث، والسعي إلى توضيح وتحديد المسؤوليات وغير ذلك من أمور فنية مرتبطة بنقل العلامات وجمعها ووضعها، والتي تهدف كلها إلى عدم تعرض كوكب الأرض للمخاطر من تلك المواد السامة، وقد كثر الحديث عن النفايات الطبية في الآونة الأخيرة، ومدى خطورتها وكيفية التخلص منها، خاصة أنها تعتبر من النفايات الخطرة في حال عدم معالجتها بطريقة علمية ومتطابقة مع الشروط والقوانين العالمية، التي وضعتها منظمة الصحة العالمية وسواها من المنظمات العالمية. وكل ما يُمكن أن يُقال عن النفايات الطبية سنستعرضه من خلال السطور التالية:
معلومات لا تقبل النفي
السؤال المفتاحي الذي يتبادر إلى الذهن هنا، ما هي النفايات الطبية؟ والإجابة حسب منظمة الصحة العالمية تقول: هي تلكم المخلفات الناتجة عن عمليات المُعالجة والتطبيب في كافة المراكز الطبية خاصة المستشفيات، وتعتبر من أخطر الملوثات البيئية، إذا لم تتم معالجتها بالطرق السليمة وبالأسلوب العلمي المناسب. وتعالج النفايات الطبية بتقنيات مختلفة تتناسب مع تلك المخلفات واختيار الأسلوب الأمثل.
أما عن أنواعها، فنجد أن النفايات الطبية تتكون من قسميْن الأول هو ما نجد أن نسبة (80) في المائة منه يشبه إلى حد كبير النفايات المنزلية. أما الـ(20) في المائة المتبقية فتعتبر خطرة. والنفايات الطبية الخطرة تصنف بحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية إلى عدة أنواع ودرجات، فمنها المعدية وشديدة العدوى، والحادة، والكيميائية، والصيدلانية الدوائية منتهية الصلاحية، والمشعة، والملوثة بالمواد المشعة، والغازية -عبوات الغازات المضغوطة – ونفايات المواد السامة للجينات والخلايا، النفايات (الباثولوجية) -أجزاء وبقايا أعضاء الجسم، وهذه النفايات الخطرة فيها 95 في المائة نفايات معدية، أي كل ما يلمسه جسم المريض من المناديل والآلات الحادة التي تستعمل في العمليات الجراحية وغيرها. وهذه النفايات يجب حرقها أو طمرها بحاويات مقفلة، مع وضع مواد معقمة معها. وبقية الـ( 5 ) في المائة من النفايات الخطرة، فهي كثيرة، مثل الأعضاء المبتورة والأدوية الصيدلانية والمذيبات العضوية أو المعقمات المستعملة في التنظيف. والأخطر فيها المواد القاتلة للأنسجة، إضافة إلى المعادن الثقيلة كالزئبق والزرنيخ والرصاص والمواد المشعة. وتعادل خطورة المواد القاتلة للأنسجة خطورة النفايات كلها، إذ إنها من أخطر المواد المستعملة في الطب، ويجب حرقها على درجات حرارة عالية جدا، وأما المعادن الثقيلة، فتجمع في حاويات مع كبريت ويصب فوقها الإسمنت وتدفن في الأرض في مدافن بمواصفات خاصة.
(……) هكذا يعالجونها
وفي مستهل حديثه لـ(السوداني) عن الطريقة التي يُعالجون بها النفايات الطبية، يقول المدير الإداري لمستشفى الخرطوم بحري التعليمي، حسن فضل المولى: إنَّ فرز النفايات الطبية بهذا المرفق تبدأ من العنبر، حيث يجري المستشفى عن طريق إدارة الصحة والجودة، الدورات التثقيفية للممرضات والعاملين. ومضى بحديثه إلى أنَّ النفايات تنقسم إلى نوعيْن: نفايات عامة تكون في العادة أكثر من النفايات الطبية، لذلك يتم التخلص منها يومياً عن طريق تعاقد مع محلية بحري؛ أما النفايات الطبية، فيتم التخلص منها في محرقة (الولادة) بأم درمان. وأكد فضل المولى بما لا يدع مجالاً للشكِّ أنَّ مستشفى بحري لا يعاني من أيّ مشكلة في التخلص من النفايات الطبية.
لكن دراسة سابقة لمنظمة الصحة العالمية، كانت قد أشارت إلى أن كثيرا من المستشفيات والمراكز الصحية، تفتقر إلى رؤية صحية وبيئية واضحة، في التعامل مع النفايات الطبية، كما أشارت أيضاً إلى تعامل قطاع المستشفيات مع فرز النفايات الطبية وطرق جمعها، والذي اتسم بعدم وجود فرز حقيقي وفعال للنفايات الطبية الخطرة عن النفايات المنزلية، أو فرز النفايات الطبية الخطرة عن بعضها البعض، وذلك من خلال عدم التقيد بتطبيق الدليل اللوني الخاص بفرز النفايات الطبية الخطرة، وعدم اتباع الطرق السليمة في معالجة النفايات الطبية شديدة الخطورة وفرزها عن غيرها حسب التعليمات. وبينت الدراسة أنه لا يتم الالتزام بإجراءات الجمع والنقل السليم من حيث عدم وجود حاويات خاصة صفراء اللون وذات عجلات مخصصة لنقل النفايات الطبية الخطرة للتخلص منها، إذ تنقل النفايات الطبية الخطرة وغير الخطرة بواسطة اليد أو الحاويات العادية، وعدم وجود بطاقة بيان على الأكياس الحمراء التي تستخدمها بعض المستشفيات للنفايات الخطرة، تبين اسم القسم الناتجة عنه ونوع النفايات الموجودة فيه، وتاريخ الجمع. أما في مجالات التخزين، فتبين عدم وجود غرفة خاصة مجهزة كما يجب لتخزين هذه النفايات، فتخزن بشكل مختلط مع بقية النفايات في الحاويات العادية أو في العراء، بجانب أو داخل الغرف المخصصة للحرق، وفي مجال المعالجة النهائية والتخلص من النفايات فإنها على الأغلب يتم رميها مع النفايات الأخرى لتنقل إلى المكب مع النفايات المنزلية أو بحرقها بطرق غير سليمة بيئياً وصحياً.
هيئة نظافة الخرطوم على الخط
وللحقيقة فإنَّ أخطر ما سمعته خلال بحثي عن المعلومات التي تفيدني في موضوع النفايات الطبية، هو ما ذكره لي مدير هيئة نظافة محلية الخرطوم السنوسي سليمان، والذي أكد لـ(السوداني) أنه كثيراً ما يتم إيجاد بعض النفايات الطبية وسط النفايات العامة، مثل الشاش الملوث وأشياء أخرى، يحدث هذا على الرغم من وجود اتفاق واضح والتزام قانوني وأخلاقي بين المحلية والمستشفيات، ينص على عدم خلط النفايات الطبية مع النفايات العامة، إلا أنه كثيرا ما يتم الخلط بين الاثنيْن، ولذا فإن المحلية تقوم بتنبيه إدارة المستشفى الذي يحدث منه هذا الخلط بين النفايات في البدء، وإلا سوف يتم إيقاف التعامل معه، وهذا بالفعل ما حدث مع بعض المستشفيات، وفي خاتمة حديثه لـ(السوداني)، شدَّد السنوسي على أنَّ مسألة النفايات الطبية، تتبع في المقام الأول لوزارة الصحة، أما المحلية فهي مختصة بالنفايات العامة والمنزلية.
مخاطر النفايات الطبية
وحسب أطباء مختصين تحدَّثوا إلينا، يمكن حصر المخاطر الصحية من النفايات الطبية في الإصابة بمرض “الإيدز”، و”التهاب الكبد الوبائي” بنوعيه “بي” و”سي”، و”التيتانوس”، والالتهابات الموضعية أو العامة في الجسم، وكذلك العدوى ببعض أنواع البكتيريا، التي يمكن انتقالها نتيجة التلوث بالهواء، بالإضافة إلى مخاطر التسمم والحروق، وهو ما تسببه بعض المواد الحادة المستعملة كالمحاقن، والمشارط، والعقاقير، والأقراص، والتي تشكل خطراً خاصة على الأطفال عند ملامستها، أو العبث بها. وتعتبر الأدوية الكيميائية التي تستخدم في علاج السرطان، من أشد النفايات خطورة، ولعل الكادر الصحي وعمال النظافة في المنشآت الصحية، هم الأكثر تعرضا للخطر. وغير ذلك، فإن غاز (الديوكسين) الذي ينتج من المحارق، والمسمى بالغاز القاتل، أو السم الأصفر، يؤدي إلى إصابة مليون شخص بالأمراض والعاهات. وإن مادة dioxin الديوكسين من المواد المسببة للسرطان لدى الإنسان، وقد تم ربط آثارها بعاهات خلقية وتراجع في الخصوبة وضعف جهاز المناعة وغير ذلك من الخلل الهرموني، وهذه فقط بعض تأثيرات غاز الديوكسين؛ أما الزئبق فهو يسبب خللاً في نمو دماغ الجنين، كما يسبب تسمماً مباشراً للجهاز العصبي المركزي، بجانب تسببه في أمراض الكلى والكبد.
الولايات في خطر..!!
والذي لا بُدَّ من الإشارة إليه، هو أنَّ وزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية حسن عبد القادر، سبق أن تحدَّث عن وجود مرادم للنفايات الكيميائية في بعض الولايات، وقال إن أجزاء منها تنجرف نحو النيل، لافتاً النظر إلى وجود نفايات كيميائية بمشروع الجزيرة، مُشدداً على ضرورة استخراجها. كما حذر من التلوث الكيميائي. وفي ذات السياق حذر خبراء في مجال البيئة، تحدثوا في ملتقى سابق للجمعية السودانية لحماية المستهلك حول (إدارة وتداول النفايات الطبية)؛ من خطورة تفشي وانتشار النفايات الطبية التي تحرق في الهواء الطلق، خاصة أنه يتم التخلص منها بنقلها مع النفايات البلدية، بوصفها مسببا رئيسيا لأمراض السرطان والتأثير في جهاز المناعة وإضعاف الخصوبة والتناسل، وكشفوا أن ولاية الخرطوم ومستشفياتها تجمع حوالى (14) ألف طن من النفايات يومياً.
نفايات بالأطنان..!!
الدكتور خالد نصر، مدير عام لشركة هولندية سودانية (خاصة)، تابعة لمشروع كيمان لمعالجة النفايات الطبية، وهي شركة متخصصة في مجال حرق النفايات الطبية، قال لـ(السوداني): “إنَّ التعامل بينهم والمستشفيات، يتم من خلال تعاقد ينصّ على حمل النفايات الطبية بعربات مخصصة، ونقلها إلى المنشأة المخصصة لحرقها، ومن ثم معالجتها”. وأشار إلى أن الشركة أحضرت آلياتها بالتعاون مع وزارة الصحة ولاية الخرطوم ووزارة البيئة، وكان من المفترض أن تباشر عملها في مستشفى بشاير، إلا أن أهالي مايو احتجوا ورفضوا وجود محرقة للنفايات الطبية، وأيضاً أوضح أن عمال النظافة هم الأكثر تعرضا للإصابة بالأمراض الخطيرة، كما إن حرق النفايات في العراء لا يجوز، لأن حرقها يتطلب درجة حرارة عالية تتراوح بين 850-1200 درجة مئوية وفي مكان مغلق، وبما أن ولاية الخرطوم بها أكثر من 200 مستشفى يجب أن يدق ناقوس الخطر، وأكد في نهاية حديثه أن مشكلة النفايات مشكلة خطيرة تواجه الولاية، بل السودان بأكمله، لذلك يجب التعامل معها وفق الأسس العلمية، حفاظا على أرواح المواطنين.
ومن جهته يؤكد محمد صابر (شريك في المحرقة)، أنهم أجروا مسحا ميدانيا لولاية الخرطوم، تبين منه أن الولاية تنتج أكثر من 13 مليون طن من النفايات في اليوم، وأن النفايات الطبية يتم خلطها مع النفايات العامة، وتحمل في عربات النفايات العادية، وهذه العربات تدخل وتخرج من الأحياء، وهذه هي الخطورة بعينها، لأنه من المفترض عدم خلط هذه النفايات مع بعضها.
أما لمياء بكري المسؤولة عن مشروع محرقة النظافة، ذكرت أن حرق النفايات تنتج عنه مادتان سامتان، تسميان الديكوسين وفورنس، ناتجتان حرق المواد البلاستيكية (الدربّات الحقن)، وخاصة عندما تختلط مع المواد العضوية مثل (الشاش الملوث) وما إلى ذلك، وأن هذه الغازات السامة, المسبب الأول للسرطانات وتعطيل الغدد بجسم الإنسان ومشكلات الأكسجين بالدم، وأن المواد السامة التي تنتج من حرق النفايات، يظل أثرها قائماً، وتنتقل من دولة إلى أخرى، كما أشارت إلى أن عمال النظافة بالمستشفيات، هم الأكثر تعرضا للإصابة بالأمراض، كما إنهم يصابون بأمراض لا يمكن اكتشافها بسهولة، كما أشارت في حديثها إلى أن لديهم إشرافا على المحرقة من قبل وزارة البيئة الاتحادية ووزارة الصحة الولائية، إذ يوجد شخص محوري في كل المستشفيات المتعاقدة مع الشركة، ويقوم هذا الشخص بالإشراف الداخلي، ومن ثم يقوم برفع تقرير إلى وزارة الصحة، وأكدت أن عملية الحرق تتم وفق المعايير اللازمة، فيتم فرز النفايات ومن ثم معالجتها، كل نوع على حدة، وأيضاً قاموا بعمل تجربة لقياس الغازات الخارجة من المحرقة، بحضور وزير الصحة مأمون حميدة، وقد ظهرت القياسات موافقة للمعايير.
وزارة الصحة
وعلى صعيد آخر، توجهت إلى وزارة الصحة بولاية الخرطوم، لمعرفة دور الوزارة بخصوص هذا، وما هي خطتها في التعامل مع النفايات الطبية، ومدى حرصها على تطبيق المعايير اللازمة للتعامل مع النفايات الطبية، وهل المحارق الموجودة الآن تعمل وفق ضوابط معينة وتحت إشراف أم دون ذلك، حاملة خطاباً من الصحيفة إلى إدارة الإعلام بالوزارة، التي حولتني بدورها إلى مدير الطب الوقائي، ولكن دون جدوى، فقد باءت كل محاولاتي للوصول إليه بالفشل إلى حين كتابة هذه الأسطر.

تحقيق : زينب بُدَل: صحيفة السوداني

[/JUSTIFY]
Exit mobile version