مدائن جنوب السودان الحدودية ليست بعيدة عن مرمى راجمات وطائرات القوات المسلحة، ومع ذلك لم تشهد أية مدينة بجنوب السودان ما شهدتها هجليج منتصف الأسبوع الفائت، وما تشهدها تلودي وأم دوال منذ الجمعة الفائتة.. نعم، لم يعد خافياً للشارع السوداني – ولا للرأي العام العالمي – بأن القوات المسلحة كانت ولا تزال – في كل معارك هجليج وتلودي وأم دوال في وضع الدفاع، وليس الهجوم.. هجليج وتلودي وأم دوال مناطق معروفة بجنوب كردفان، أي هي أرض سودانية، وكل معارك الأسبوع الفائت كانت على هذه الأرض، وهذا يعني أن القوات المسلحة في حالة دفاع عن تلك الأرض بحيث لا تستولي عليها قوات جنوب السودان، وقالها رئيس حكومة الجنوب – في لحظة غفلة – منتشياً: (شلناها بالقوة)، وقبل أن يحتفي بها أعادتها القوات المسلحة خلال ساعات.. ثم القوات التي لا تزال تهاجم تلودي وأم دوال بجنوب كردفان لم تهبط من السماء، بل جاءتها من وراء الحدود وهاجمتها ثم عادت الى ماوراء حدود دولة جنوب السودان.. هكذا الموقف بالحدود، إذ تدور رحى المعارك على الأرض السودانية، والمجتمع الدولي يشهد على ذلك، وكذلك الشارع السوداني، ثم سلفا كير أيضاً..!!
** وقد تصبر القوات المسلحة على وضع الدفاع عن الأرض السودانية بجنوب كردفان أسبوعاً أو شهراً، ولكنها لن تصبر طويلاً على هذا الوضع الدفاعي.. فالروح العسكرية تختلف عن الروح السياسية، بحيث روح الجندي لا تؤمن كثيرا بالمسمى – سياسياً بـ(ضبط النفس) و(طولة البال)، ولكنها تؤمن كثيراً لحد القداسة بأن (الهجوم خير وسيلة للدفاع)، أو هكذا تنص العقيدة العسكرية.. والحقيقة التي يجهلها أو يتجاهلها سادة حكومة دولة الجنوب هي أن النظام الذي يحكم السودان هو نظام عسكري مغلف بحزب سياسي، وليس العكس.. أي هو نظام عقيدته تنص وتحث بأن الهجوم على جوبا وملكال خير وسيلة للدفاع عن تلودي وهجليج.. وإذا حدث هذا – لا قدر الله – فإنها الحرب الشاملة والمفتوحة والتي لا تجدي فيها استغاثات من شاكلة (يا يوغندا الحقينا، يا نيفاشا أنقذينا).. ثم البلدين – وشعبهما – لن تحتملا نتائج انفراط عقد المسمى السياسي (ضبط النفس).. فالحكومة السودانية أهدت الحركة الشعبية دولة على طبق من ذهب الاتفاق والتراضي، والمسؤولية تقتضي أن تهتم حكومة الحركة الشعبية بتنمية تلك الدولة وتطويرها، بحيث ينعم إنسانها بالسلام والاستقرار والرخاء، عوضاً عن أزمنة الحرب والفقر والنزوح والهجرة، وذلك بتسخير كل موارد ما تحت الأرض وفوقها لصالح التعليم والصحة وكل وسائل النماء، بدلا عن تسخيرها لدعم حركة زيد المناهضة وجماعة عبيد المسلحة، بمظان تغيير نظام الخرطوم، أو كما يقول لسان حال حكومة جوبا وإعلامها وعملاؤها..!!
** نهج معاداة الخرطوم – بالاعتداء أو بدعم المعتدين – جهل بالتاريخ وتجاهل لطموح مواطن الجنوب.. فالحركة الشعبية عاشت تجارب إيواء الأنظمة للحركات المسلحة.. لقد آوتها إثيوبيا حيناً من الدهر ضد الخرطوم ولم تنجح في تغيير نظام الخرطوم بها.. وآوتها ارتريا ولم تنجح في تغيير نظام الخرطوم بها.. وآوتها يوغندا ولم تنجح في تغيير نظام الخرطوم بها.. فما بال حكومة حركتها الحاكمة لا تتعظ من تجارب أنظمة أوتها عندما كانت معارضة بغرض تغيير نظام الخرطوم، حتى فشلت؟.. حكومة الجنوب – بجهل مدقع – تساهم في تماسك الجبهة الداخلية، أي كما كانت تفعل تلك الأنظمة في زمان قرنق و(سلفاكير أيضاً).. نعم، يطمح المواطن السوداني في تغيير الحال العام بحيث يكون أفضل حالاً، ولكن هذا لا يعني – مهما كان بؤس الحال – أن المواطن السوداني يراهن على قوة سلفاكير (الشال بيها هجليج)، أو كما يتوهم ذوي الضمائر العمياء والعقول الصماء.. وتخطئ حكومة الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان لو ظنت – أو صدقت – أن دباباتها في هجليج وسياساتها في تلودي هي مفتاح التغيير في السودان، وكان هذا الظن (مبلوعاً) الى حد ما قبل الانفصال، أي قبل أن تصبح الحركة الشعبية (حكومة دولة أجنبية).. وعليه، فلتمسك حكومة دولة جنوب السودان يدها، بحيث لا تعتدي على مدائن وأرياف السودان ولا تدعم المعتدين.. هذا قبل أن تركل القوات المسلحة نظرية (ضبط النفس)، وتقبل على تطبيق نظرية (الهجوم خير وسيلة للدفاع)، وليس (الغدر خير وسيلة للابتزاز)، أو كما تفعل حكومة الجنوب بهجليج وتلودي وأم دوال..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]