بغض النظر عن المنح والمنع، فإن مجرد (شعور واشنطن) بأنها يجب أن تمنع رئيس دولة ذات سيادة من حضور فعاليات دولية خاصة بالأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة فيه (استصغار) لشأن فهي استصغرت نفسها لدرجة شعورها بأن حضور الرئيس السوداني البشير الى نيويورك فيه (تحدي لها)!
هذا الشعور مستغرب لأن الدول الكبرى -مجازاً- إنما تنتظر للقضايا الكبرى الإستراتيجية ولا للقضايا العابرة (المتعلقة بالتأشيرات) فالأمر هنا يتصل (بضباط الجوازات) بأكثر مما يعني دولة عظمى ويثير أعصابها.
ولعل أولى مسببات الغضب الأمريكي الفاضح أن الولايات المتحدة وطوال ما يجاوز الـ5 سنوات منذ صدور مذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير فى العام 2009 فشلت فى الحد من تحركات الرئيس البشير وأسفاره وفشلت فشلاً ذريعاً فى منع الدول التى استقبلته من أن تفعل وكانت الطامة الكبرى أن مذكرة التوقيف -كورقة سياسية مهمة كما تصورتها- لم تفدها بشيء، فلا هي أفادت فى الضغط على السودان لفعل شيء أو تقديم التنازل عن شيء؛ ولا هي نجحت فى إبتزاز السودان. الورقة كما هي طوال الـ 5 سنوات لا أفادت ولا قدمت.
الأمر الثاني أن السودان لم يكتف فقط برفض المذكرة وعدم التعاون مع لاهاي وعدم وقف أنشطة رئيسه الخارجية ولكن نجح السودان -من حيث لم تحتسب واشنطن- فى دفع رصفائه فى الدول الإفريقية لاتخاذ موقف قوية حيال المحكمة، إذ ليس سراً أن القادة الأفارقة بصدد التفكير الجاد فى الانسحاب من المحكمة بكل ما يعنيه هذا الوضع من بداية انهيار للمحكمة.
والغريب هنا أن واشنطن هي أول من سخر من المحكمة ورفضت التوقيع على ميثاقها، ولكنها بالطبع لن تستغني عنها طالما أنها (ورقة سياسية رابحة).
الأمر الثالث أن السودان حين قرر مشاركة رئيسه فى فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرر ذلك وفى ذهنه ليس فقط اجتماعات الجمعية العامة ولكن ايضاً اللقاء المرتقب للقادة الأفارقة على هامش الاجتماعات، وهو لقاء تعلم واشنطن أنه يعزز من قوة مواقف القادة الأفارقة حيال المحكمة الجنائية بصفة خاصة والسياسات الأمريكية الدولية بصفة عامة، وأن كل هذه الاجتماعات والفعاليات تنعقد على أرض داخل مدينة أمريكية! أي أن واشنطن (تشهد حرباً سياسية) تنطلق من داخلها وهي التى درجت على (أخذ الحرب) الى خارج حدودها وملاحقة خصومها فى عقر دارهم.
وأخيراً فإن إدارة أوباما التى تورطت فى قضية تعبئة الرأي العام العالمي ضد سوريا وفشل الرئيس أوباما فى حشد الدعم لضربته العسكرية تعيش جراحها الخاصة وآلامها النازفة وتبحث عن أي معركة (جانبية) لكي تضرب فيها ضربة سياسية عوضاً عن الضربة السورية التى فشلت!
سودان سفاري
[/JUSTIFY]