بعد غياب ابني عامًا ونصف العام وجدتُه وسط المتسوِّلين بالشوارع
[JUSTIFY]مضت أكثر من ثلاث ساعات على غياب الخادمة التي أرسلتها «خ» صاحبة المنزل ووالدة الطفل «ت» الذي يبلغ من العمر عامين فقط لتقضي لها بعضًا من أغراض المنزل، وطلبت منها «خ» أن تأخذ الطفل معها حتى تتمكن من إنهاء الطبخ لحين عودة الخادمة، وقالت الأم إن طلبي ذاك كان بناءً على ثقتي بها وعشرتي لها فهي تعمل معي منذ ثلاث سنوات بمعنى أنها معي منذ دخولي هذا المنزل في بداية حياتي الزوجية وتعودت عليها وتعودت هي على طبعي فكانت دائمًا تصغي لأوامري وتخدمني وهي في غاية من الرضا وأضافت أنني كنت حين أنوي السفر إلى أهلي آخذها معي وتقضي معي عدد الأيام التي أمكثها هناك وصار أهلي يعرفونها وتعرفهم وقوية الصلة بيننا، فهذه الخادمة هي من إحدى ولايات السودان، السبب الذي جعلني أثق بها، وعند ولادتي كانت دائمًا برفقتي وتخاف عليَّ وكلما فقدت شيئًا ما من المنزل أبعدها عن أي حالة اشتباه بالرغم من أننا نمر بحالات سرقة متكررة وتتزامن السرقة في اليوم الذي يُحضر فيه زوجي مبلغًا من المال ولم يخطر في بالي قط أن تكون هي مدبرة جريمة السرقة بواسطة تواصلها مع عصابتها، فكانت ترتدي زي العفة والتسامح الذي ارتسم على تلك الملامح الكذابة، ورجعت إلى حديثها وقالت: حين خرجت الخادمة بالطفل ولم تكن تلك المرة الأولى التي تأخذه معها إلا أنني حين تأخرت انتابني شعور بالقلق، فكان لأول مرة أحس بعدم الاطمئنان لتأخر الخادمة ودون أن أسيطر على نفسي خرجت إلى طرف الشارع أراقب طريق عودتها لكن دون جدوى وبمرور طول نهار ذاك اليوم ولم يظهر لها أثر للعودة اتصلت على زوجي وأخبرته بما جرى، وقال لي سنبحث عنها وحدنا ولا داعي لإبلاغ الشرطة وقالت: تماسكت أعصابي لحين عودة زوجي بعدها خرجنا نبحث في كل الأماكن التي يمكن أن توجد فيها سواء كان حول المتاجر أو مع الجيران أو الأهالي الذين يسكنون بالقرب منا ولكن لم نعثر عليها الأمر الذي دعانا إلى أن نتجه لإبلاغ الشرطة بعد أن حار بنا الدليل، أغلقت في وجهنا الطرق وصار الوقت في منتصف الليل وتم تدوين بلاغ تحت المادة «45/أ» من قانون الطفل وباشرت الشرطة الإجرءات القانونية وكونت تيمًا من المباحث للقبض على المتهمة و إعادة الطفل إلى والديه وبعد أن أدلى الشاكي والد الطفل ووالدته بمواصفات المتهمة وأرشدوا على أماكن عدد من أهلها إضافة إلى المنطقة التي يرتكز بها بقية أهلها بإحدى الولايات وبدورها اعتمدت الشرطة على تلك المعلومات وبدأت بتطويق المنطقة التي تسكن فيها الشاكية ومراقبة الأماكن حتى يتم القبض عليها إذا أرادت الخروج في أي وقت، وبعد مرور عدد من الأيام اتجهت المباحث إلى مداهمة مقر ذويها بمختلف المناطق ولم تتمكن الشرطة من العثور عليها ولم يبقَ أمامها إلا أن يتم الاتصال بشرطة الولاية المعنية والتي بدورها حاولت جاهدة أن تتمكن من القبض عليها ولم تفلح في ذلك لكنها امتلكت معلومات افترض أن تساعد في حل القضية وهي أن المتهمة تنتمي إلى أخطر عصابة سرقة واختطاف الأطفال، وأفاد فاعلو الخير الشرطة أن العصابة متمركزة في تلك المنطقة وقامت شرطة تلك الولاية بتمليك المعلومة إلى الولاية الأخرى لتبدأ في البحث عنها وبعد مرور عدة شهور متواصلة من البحث عن المتهمة، يئس الجميع من العثور عليها لكن الأم كانت على يقين تام أن ابنها سيعود إلى أحضانها مهما طال الزمن وأُصيبت الأم بحالة مرضية ظلت طريحة الفراش بالمستشفى لعدد من الأسابيع إضافة إلى أن حالتها النفسية تتأزم شيئًا فشيئًا، وبعد خروجها للبيت واستعادة صحتها طلبت من زوجها أن يرحلوا من المنزل لأن كل ركن بالمنزل يذكرها بابنها المفقود الذي لا تعرفه حيًا كان أم ميتًا وتغير الأثاث بأكمله بل وتغير المنطقة في حد ذاتها، وبالفعل انتقلت الأسرة الحزينة من منزلهم إلى آخر محاولين الابتعاد عن الذكرى التي تؤجج نار قلبهم على فراق صغيرهم الوحيد واختاروا ان يكون مكان سكنهم بإحدى المناطق الطرفية لتبعد عن الناس، وفي ذات يوم خرجت إلى السوق لقضاء بعض الأغراض المنزلية وأثناء تجوالها حول السوق والمتاجر شاهدت طفلاً صغيرًا يلعب ويلهو من مكان لأخر ويجري ليسقط في أحضان أمه وظلت تتابع هذا المنظر الذي أعاد لها ذاكرتها وأجج الشوق في قلبها على ابنها الصغير وبتدقيق النظر لذاك الطفل انتابها شعور أنه ابنها وكانت تذكر أن على ظهر ابنها وشمة كبيرة وأسرعت متجهة نحو الطفل الذي غيَّر الفقر والشقاء ملامحه ولونه بجانب أنهم «قصوا له شعر رأسه نهائيًا» وأمسكت الأم بالطفل ورفعت له قميصًا كان يرتديه ووجدت الوشم على ظهره وصرخت بأعلى صوتها «وجدت ابني، هذا ابني» والتف حولها جميع الحاضرين وجاءت أمه وقالت لها اتركيه هذا ابني أنا، وكان نقاشًَا حادًا بينها أدى إلى الضرب ما دعا إلى تدخل الشرطة لفضه واخذوا الاثنتين إلى قسم الشرطة وبدأ التحري وكانت «خ» والدة الطفل واثقة من أقوالها وفي كل مرة تدلي بدلائل تؤكد أنه ابنها وأفادت الأخرى أن هذا الطفل هو ابن صديقتها التي سافرت إلى ولاية أخرى وتركته معها. وخلال ذاك التحري حضر والد الطفل وعند ما شاهد الطفل تأكد أنه ابنه وطالب أن يفتح البلاغ مرة أخرى وأصدرت النيابة أمرًا بإرسال الطفل إلى الأدلة الجنائية والقيام بفحص «دي إن إن» التي طابقت الجينات بين الطفل ووالده فيما أحالت النيابة ملف القضية إلى المحكمة بعد أن تم القبض على عدد من أفراد العصابة التي أكدت المحكمة أنه بإثبات كل الأدلة والبراهين ضد المتهمين ستوقع عليهم عقوبات رادعة ليكونوا عبرة لمن خلفهم من عصابات خاطفي الأطفال وتوعدتهم المحكمة بإنزال أشد العقوبات بجانب بلاغات أخرى متعلقة بالسرقة.