** قبل أشهر، كادت الحكومة أن تتخلص من هيئة الإمدادت الطبية، ولكنهاتراجعت..للأسف، استحسنت تراجع الحكومة، بمظان أن لهذه الهيئة مهام إستراتيجية، وهي كذلك، ولكن اليوم أداء هذا الجهاز الحكومي غير مطمئن..بل يكاد يشكل أداء الإمدادات الطبية خطرا على صحة الناس، كما الأوبئة..نهجها الإداري مرتبك جدا، ويتبع نظرية (رزق اليوم باليوم)، وهذا يحدث ارتباكاً في المشافي العامة منذ شهرين ونيف..ولاة أمر الصحة يعلمون مايحدث في المشافي وأقسام الطوارئ، بسبب ارتباك النهج الإداري للإمدادات الطبية، ولكنهم يلتزمون الصمت..ولا ندري لماذا؟، والى متى ؟..ربماينتظرون يوما يستخدم فيه الأطباء أقشمة القمامة بديلاً للشاش الطب، أوأقطان ما قبل الحلج بديلا للقطن الطبي، حتى يتبينوا مخاطر ذاك النهج المرتب..!!
** على سبيل المثال..للمرة الثانية خلال عام، تفاجأت الإمدادات الطبيةبنفاد أدوية يستخدمها مرضى السرطان بالبلاد، شفاهم الله..نعم تفاجأت هذه الهيئة ذات المهام الإستراتيجية بنفاد تلك الأدوية مرتين على التوالي..فارتبكت إدارتها هذه المرة أيضاً كما العادة، وكلفت الدكتور الصادق الجعلي؛ المستشار الطبي بالسفارة السودانية بالقاهرة، بسد العجزعاجلا،وذلك بشرائها من الصيدليات هناك..لم ترسله الى الشركات المصرية، ولا الى الوكلاء، بل الى الصيدليات.. نعم، من صيدليات الشوارع والأزقة المصريةاشتروا الأدوية ثم جمعوها وجاءوا بها، بمظان (استوردنا ليكم أدوية)..نفهم معنى أن تستورد الدول الأدوية من بعضها، بواسطة الشركات والوكلاء،ولكن لا نفهم معنى أن تستورد دولتنا الأدوية من صيدليات دولة أخرى، وليست من شركاتها.. ولك أن تتخيل مشهدا فيه يدخل مندوب إمداداتنا الطبية الى صيدلية شعبية بحي الزمالك، ويسأل الصيدلي العامل (عندك فنكرستين؟)، فيرد الصيدلي المصري (تحت أمرك يا باشا)، فيفرح مندوب إمداداتنا الطبية ويطلب منتشياً: ( تمام، يلا نزل لينا الرف كلو)، ثم يحاسبه بسعر القطاعي..هكذا سدت الإمدادات الطبية العجز، من صيدليات الشوارع والحواري المصرية..وكل هذا حدث تحت سمع وبصر المجلس القومي للأدوية والسموم، والأدهى والأمر بسعر السوق الموازي..ومع ذلك تحارب وزارة التجارة – بالتنسيق مع وزارة المالية – باعة الاسبيرات المستعملة في أرزاقهم بمنع إستيرادها،بحجة (تبديد الدولار)..إن كان كذلك، فما بال تلك الهيئة تعيث في الدولارعبثاً بحيث تشتري الأدوية بسعر السوق الموازي مرة تلو الأخرى، ثم تعيث في نظم الاستيراد وقواعده ولوائحه عبثاً بحيث تشتري من الصيدليات مرة تلوالأخرى؟..هذا لا يحدث إلا في السودان، حيث اللامسؤولية واللامحاسبة..!!
** ومثال آخر لارتباك النهج الإداري بهذه الهيئة، ولا يزال ماثلا حتى اللحظة، هو ما يلي: الهيئة ملزمة بتوفير (650 صنفاً)، وهي الأدويةالمنقذة للحياة، وغير المتوفرة لدى الوكلاء، ولكن – للأسف- (240 صنفاً) غير متوفر بمخازن الهيئة حالياً، و(105 أصناف) متوفر بكميات قليلة لاتتجاوز(10% إلى 20%)، و(100 صنف) متوفر فقط بنسبة(50%)..والأدهى والأمرّ أن مخازن الهيئة تضج بالأدوية غير المسجلة تتجاوز نسبتها (35%)، والمجلس القومي للأدوية والسموم يعلم ذلك ولكن( يتغابى العرفة)، علما بأن النائب الأول لرئيس الجمهورية كان حريصاً بأن لا تستجلب الإمدادات الطبية أدوية غير مسجلة وهذا ما وجه به إدارتها الحالية.. هكذا حال المسمى مجازاً بالمرفق الاستراتيجي، المناط به توفير المخزون الاستراتيجي من أدوية ومستهلكات الطوارىء والحوادث والوبائيات.. وللتأكد، فليرهق وزير الصحة – اتحادياكان أو ولائياً- ذاته بزيارة تفقدية الى أقسام الطوارئ والحوداث بالمشافي العامة، ويسأل الأطباء هناك فقط – على سبيل المثال – عن المشارط التي تستخدم في العمليات وكذلك الخيوط الجراحية.. واستمعت الى الدكتورة هالةأبوزيد، مديرة الحوادث بمستشفى الخرطوم، مساءالثلاثاء الفائت، بفضائيةالشروق، وهي تتحدث بلسان حال يرثي وضع الإمداد الدوائي والمستهلكات الطبية بحوداث وطوارئ الخرطوم..أطلب كذا صنف شهرياً ولا أجد في مخازن الهيئة غير نصف أو ربع ما أطلب، هكذا عبرت د.هالة عن وضع الإمداد الدوائي بحوادث وطوارئ مستشفى الخرطوم..إن كان ذاك حال الإمداد الدوائي بحوادث وطوارئ الخرطوم، فكيف يكون حال حوادث وطوارئ المشافى الأخرى؟.. والجهةالمسؤولة عما يحدث هي النهج الإداري بالإمدادات الطبية، وليست الأزمةالاقتصادية وانفصال الجنوب وغيره من (الشماعات).. ميزانية الأدوية المنقذة للحياة لا تقل عن (8 مليارات جنيه شهرياً)..فالأزمة ليست مالية، ولكنها إدارية..فالنهج الإداري بالإمدادات الطبية لم يعد يتقن غيراستجلاب أجهزة الحاسوب ثم توزيعها للأطباء بالأقساط المريحة، أي كما يفعل أي اتحاد مهني، عمالياً كان أو طلابياً..وللأسف، ليس هناك من ينتبه ويحاسب، فالكل مشغول ب (الحريات الأربعة)..فانشغلوا بها، إلى أن تباغتكم الإمدادات الطبية ذات يوم باستيراد (مناجل صعيدية)، لتسد بها عجز المشارط في المشافي..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]