هذا جزء من البيان الأول الذي ألقاه قبل ربع قرن من الزمان وقتها العميد عمر حسن أحمد البشير، يوم الجمعة الثلاثين من يونيو 8991م. تمر الأيام والسنوات والحال أسوأ مما كان عليه.
ما من شكٍ في أن النيّات كانت على أقل تقدير طيبة هذه سمة كل انقلاب عسكري حدث بالسودان أو بأية بقعة في العالم، ونحن نرى طيبة تلك المزايا ظاهرة في انقلاب 30 يونيو في مصر فهل تطابق التواريخ سمة مشتركة؟! وقد ظهرت النيات (الحسنة) في فض الاعتصامات السلمية وتفريقها بالذخيرة الحية ومن بقي على قيد الحياة احتوته السجون!!.
لست هنا في مقام من يحاسب أو يُحاكم فقد أكون ذلك الذي يحاسَب ويُحاكَم ولكن لا بأس من كلمة الحق والخير كل الخير إن حدث ذلك لأن ذلك يعصمني من سؤال ومحاكمة أشد وهو سؤال الملائكة فيمَ كنت، وهو سؤال والعياذ بالله حكمه حدده المولى عز وجل (مثواهم جنهم وساء سبيلا)!!..
أُدرك أن السودان على أقل تقدير يمكن أن يمد جيرانه بالغذاء وأن يمد وسائل الاتصال بين الجيران وأن يوطد العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بصورة تجعله قائداً لكل المنطقة، والسودان بموقعه الجيوبولتيكي يتوسط أهم المناطق في إفريقيا، غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي تلك المناطق التي يقتتل العالم عليها بالسلاح كان يمكن أن نكسبها بالاقتصاد والغذاء!!.
ربع قرن من الزمان كافٍ لبناء دولة قوية، والأمثلة كثيرة في هذا العالم فاليابان وألمانيا بعد أن تم تدميرهما تماماً وضعا هدفاً في ذات المدة ليكونا دولة عظمى، واليابان حينها دمرت بأول قنابل ذرية عرفها العالم!!..
وما إن حلت ستينيات القرن الماضي حتى كانتا من أقوى الاقتصاديات في العالم واليابان اليوم أغنى دول آسيا وألمانيا أغنى دول أوربا!!..
والسودان ثاني أغنى دولة في العالم من حيث الموارد الطبيعية ولا تفوق السودان في الموارد إلا روسيا الفيدرالية. وموارد السودان الطبيعية سهلة الاستخراج من تلك التي في روسيا، فالعوامل الطبيعية في روسيا تجعل استغلال تلك الموارد أكثر صعوبة من تلك التي في السودان!!..
في بادئ الأمر حمل النظام أشواقاً زينها بالشعارات الرنانة بدلاً من أن يحمل منهجاً وبرنامجاً يطبقهما على أرض الواقع، ودون منهج وبرنامج يكون الأمر تخبطاً وعشوائية.
والسلطة بلا هدف ولا تخطيط أكبر مفسدة، والحكم كالتعليم مراحل لكل مرحلة رجالها الذين يعدونها للمرحلة الأعلى وهكذا، وفي هذا الصدد فسر القرآن الكريم الأمر في ذلك الحوار الذي كان بين المولى عز وجل والملائكة حين قال لهم: (إني جاعل في الأرض خليفة) جاء رد الملائكة معترضًا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).. وجاء رد المولى عز وجل: (قال إني أعلم ما لا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)!!..
وهنا أسقط في يد الملائكة (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
وهنا يطرأ سؤال ما هي هذه الأسماء التي عجز الملائكة عن معرفتها؟ إنها علوم الأرض التي سيُستخلَف عليها آدم عليه السلام، إذ لا يستقيم عقلاً أن يدير آدم الأرض وهو لا يدرك علماً من علومها، من هذه القصة تستخلص نتيجة مهمة هي أن من يدير أمراً يجب أن يكون على علم به، أما إن كان لا يعرف شيئاً عما يدير فإن ما كانت تخشاه الملائكة من فساد وسفك للدماء سيحدث لا محالة!!..
لقد كان آدم عليه السلام تكنوقراط كما نقول اليوم، وعالمًا بكل علوم الأرض التي استخلفه المولى عز وجل عليها، ولو تدبرنا القرآن الكريم لما فسدنا وما حبطت أعمالنا وخططنا، والزمن يتغير والعلم يتقدم، والنظام الحاكم في السودان هو ذات الشخوص الذين يجهلون علم المنصب الموكل إليهم ويتبادلون الكراسي دون أن يكون لأي منهم علم بما تولى فحدث ما كانت تخشاه الملائكة!!.. وإلى صاحب البيان الأول أتوجه بالحديث أن ما زال الوقت متاحاً للإصلاح والرجوع إلى ما أمر الله به، فكل وزارة يجب أن يتولاها من هو عليم بعلمها والطريق للإصلاح مفتوح والطريق إلى الله ليس فيه ما يعيق. د. هاشم حسين بابكر –الانتباهة