وزارة بلا وزير .. أم وزير بلا وزارة ..!!

[JUSTIFY]لم تجد وزارة الثقافه والاعلام اهتماماً كما وجدته في عهد الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري … اذ بلغت من الاهتمام للدرجة التى جعلت الرئيس نميري يباشر مهام وزير الثقافه والاعلام بنفسه في حالات غياب وزيرها للمشاركه في مؤتمر خارج السودان او لاي اسباب اخرى … لكن ينبغي ان نوكد ان هذه الوزاره شهدت اهتماما خاصاً في كل العهود التى مرت بها منذ ان كانت وزارة الاستعلامات والعمل حتى عهد قريب … نظراً للدور الرائد والخطير الذي استطاعت ان تلعبه على مر تلك العهود …

قوة قادرة

تمتعت هذه الوزارة في فترات متعدده بصلاحيات وقدرات بشريه جعلت منها قوه قادره على النهوض بالاعلام والثقافه كماً وكيفاً ولا يستطيع اي كائن كان ان ينكر الدور الذي قامت به هذه الوزاره في تطوير حركة الحياة وشاركت واسهمت حتى على مستوى القرى النائيه من خلال البرامج التوعويه على احداث نقله في حياة الانسان السوداني قبل ظهور التلفزيون وضعف البث الاذاعي من خلال ما كان يسمى بالسينما المتجوله كوسيله من وسائل الاتصال الجماهيري وحرصت هذه الوزاره منذ انشاءها ومن خلال ادارتها المختلفه ان توثق للحياة السودانيه بل وتسهم في ترقية الذوق العام ووضع الخطط والبرامج التي من شانها ان تجعل من هذا البلد مترامي الاطراف شبكة مترابطة متصله برغم الامكانيات المحدوده ووسائل النقل والاتصال التقليديه .

سينما وتصوير

فكان الانتاج السينمائي والتصوير الفتوغرافي موجوداً في كل مكان في السودان ليس من خلال زيارات المسؤلين بل كانت تنظم البعثات لكافة قرى ومدن السودان دعماً ونقلاً للنشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي … وفي سبيل ذلك دفع اهل الثقافه والاعلام ثمناً غالياً بفقدان شيبها وشبابها خلال سفرياتهم وهم يجوبون الفيافي والصحاري والوديان والقرى … وبالرغم من ان هذه الوزاره نشات في ظروف لم تكن للاعلام لغة او منهج يدرس في الجامعات الا ان اهل الاعلام والثقافه ومن خلال تجاربهم ومواهبهم الفرديه اثبتوا انهم مبدعون ولديهم من القدره التى جعلت منهم قوة ابداعيه استطاعت ان تؤسس لنشاط اعلامي وثقافي لا يمكن ان نتجاوزه او نغض الطرف عنه … حيث كانت الموهبه والتجربه والصدق وحب المهنه الذي تجده وتحس به في كل صورة فوتوغرافيه او تسجيل سينمائي قديم.

نفوذ وقدرات

وبالنظر الى واقع الثقافه والاعلام في تلك الايام وحتى الثمانينيات نجدها حقيقه تتمتع بنفوذ وقدرات مكنتها من رسم الخطط والبرامج التي لا يمكن تجاوزها اليوم وان تجاوزها الزمن … فلقد استطاعت هذه الوزاره واجهزتها المختلفه بان تشيع ثقافة السلام ونبذ الخلاف وتغذية الروح الوطنيه والنهوض بحركة الحياة … والتاكيد على وحدة الثقافه والذات الانساني السوداني وان اختلفت منابعه ومشاربه ولعبت دوراً جوهرياً في تاكيد انتماءنا الافريقي والعربي حيث شهد السودان في تلك الحقبه اكبر التجمعات للقمم الافريقية والعربية حيث استطاعت ان تتفاعل مع كافة قضايا المنطقه افريقياً وعربياً …ومضى السودان ومن خلال هذا الجهد ليسجل اعظم المواقف في كافة المحافل الدولية حضوراً مؤثراً على كافة المستويات .

لم يتعاظم الدور

الان وبعد ان شهد العالم والسودان كجزء منه تطوراً كبيراً في كل مناحي الحياة كان لابد ان يتعاظم هذا الدور مع خصوصية السودان كدولة مترامية الاطراف تتمتع بمساحة ضخمه متنوع في تركيبته السكانيه والجغرافيه له حدود مع مجموعه كبيره من دول افريقية وعربيه افريقية ويشقه طولا مجرى اكبر نهرين ويطل على مساحة كبيره بمياه اقليميه متسعه على البحر الاحمر كواحد من اخطر الممرات المائيه … ثم اخيراً كبلد زراعي وامكانية ان يلعب دوراً هاماً مع نقص الغذاء الذي صار هماً عالمياً.

عصر العولمة

الان وقد تقلص دور هذه الوزاره ونحن نعيش في عهد سيطرة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ونشهد المتغيرات الواسعه في انماط الاتصال ووسائله وادواته ومصادره وقنواته وممارساته … هذا اذا ما اضفنا المتغيرات السياسيه من حولنا على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي … وهي متغيرات كان ولا يزال لها ابلغ الاثر على تفكير الشخصيه السودانيه وتكوينها وخصوصيتها … بل وعلى تركيبة المجتمع السوداني المتميز بخصائص لا نجدها في كثير من المجتمعات من حولنا كل هذه الظروف مجتمعه كان من الاجدر ان تجد هذه الوزاره مكانتها السياديه التي تمكنها من اداء دورها في الحراك الثقافي والنشاط الاعلامي الوطني الذي يستنهض الهمم والعزائم في التفاعل مع قضايانا الوطنيه وتغذية الوجدان بما يعزز مفاهيم الانتماء والوفاء لتراب هذا الوطن العزيز … بل تاكيداً لدور الثقافه و الاعلام في الحفاظ على امننا القومي لينسحب ذلك ايجاباً على امننا الثقافي والفكري في ايقاع منسجم على نسيجنا الاجتماعي لكل تلك الاسباب مجتمعه كان من المفترض ان تجد هذه الوزاره من الاهتمام والدعم ما يؤلها لاداء هذه الدور لتمضي لتجد مكانتها بمقعدها الشاغر بمجلس الامن القومي باعتبار ان الاعلام والثقافه تعتبران الخط الاول للدفاع والزود عن الوطن.

فصل الثقافة عن السياسة..لماذا

ولست ادري حكمة ان تنفصل وزارة الثقافه عن وزارة الاعلام … في حين تمثل الاجهزه الاعلاميه الوعاء الناقل لهذه الثقافه وفي هذا الصدد نعود لنواكد ان الخطاب السياسي هو في الواقع خطاب ثقافي ومن هنا تسهم وسائل الاعلام في التنمية القوميه واحداث التحولات الاجتماعيه من خلال التفاعل المستمر مع برامج الثقافه حيث تتوحد المسؤليه بين الثقافه والاعلام في خلق افضل اسباب التوعيه والتنميه القوميه وبناء الوطن … لذا وجب الاعتراف بان الاعلام والثقافه في علاقة مستمره لا يمكن تجزئتها بما تحمله من تاثيرات مهمه ومباشره على تطور الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي … لكننا ومع الاسف الشديد وقعنا في شباك دعوة بعض دول الجوار التي بدات تتبنى فكرة الغاء وزارة الاعلام من دون النظر لخصوصية السودان من حيث تكوينه المجتمعي والجغرافي .

بتر اجنحة الثقافة والاعلام

جردنا وزارة الثقافه والاعلام من كل اسلحتها وقمنا ببتر اجنحتها التى تحلق بها ، فكان اول ما كان ان جردت من مسؤليتها عن الاذاعة والتلفزيون فصارتا هيئه قائمه بذاتها ثم انفصلتا لتصبح كل هيئه قائمه بذاتها ولازلت وساظل ابحث عن الحكمه الضاله في هذا التقسيم العجيب المريب … ثم مضى بنا ارباب الافكار الجهنميه ليعملوا على الاطاحه بالهيئة القوميه للثقافه والفنون وما تبعها من فرق قوميه سوى كانت فنون شعبيه او مسرحيه او موسيقيه … ثم تركناها بلا خطط وبلا برامج وبلا اهداف وبلا ميزانيات انطلاقاً من مفهوم احد وزراء مالية هذا الزمان الذي قال وبالحرف الواحد « والله انا ما عندي ميزانيه لي ناس حبيبي جنني « وهكذا مضى على سنته كل وزراء الماليه الذين خلفوه.

وزارات ولائية للثقافة والاعلام

ثم انشئت وزارات للثقافه والاعلام بالولايات واذاعات ومحطات تلفزيونيه وفضائيات هي في الواقع لم تقدم خيراً قط لهذا الوطن او المواطن وصارت اجهزة تعمل في اطار وسياسة تقوم على تعظيم الولاه والحكومات وصارت عبئاً على الخزينه العامه تصرف لها ميزانيات كان الاولى ان تسخر في تخفيف اعباء الحياة على المواطن المسكين. علماً بان هذه الحكومات الولائيه قد اثبتت التجارب فشلها في النهوض بالولايات التي صارت مقسمه بطريقة تدعو للدهشه من حيث الكم لاندفاع المركز في ارضاء ات نعرات كنا قد تركناها خلف ظهورنا يوم ان كان السودان بمديرياته ال 9 والمديريه الواحده يديرها مدير اداري وبنجاح باهر وهي تساوي اليوم 3 من الولايات .

لا تحمل غير الاسم

وهكذا اصبحت وزراة الثقافه والاعلام وزاره لاتحمل غير الاسم وتم الابقاء عليها لتكون وزارة ارضاءات للمستانسين من احزاب او تيارات سياسيه … وها نحن نمضي وتمضي بنا الايام لنرى امامنا فشلاً وانهياراً ثقافياً واعلامياً سنجني رماده العقيم مستقبلا وهو رماد الضياع والشتات لكل مانعتز به من قيم وتراث وتاريخ … لتصبح وزارة الثقافه والاعلام وزارة بلا وزير ووزير بلا وزاره .

رغم الضربات المميتة

واحقاقاً للحق لابد هنا من الاشاره الى ان هذه الوزاره وبرغم الضربات المميته ولا اقول الموجعه التي تلقتها خلال الاعوام الماضيه … فان في جناحها الثقافي في فترة الاستاذ السمؤال خلف الله شهدت حراكاً ثقافياً كان له ابلغ الاثر في نفوس الناس وكان بالامكان ان يوتى اكله اذا لم يقطع الطريق امام هذا الرجل ليطاح به في سبيل الارضاءات وقسمة كيكة الوطن الذي صار كيكه تقسم …. ولا ارى في فشلنا السياسي الا نتيجه حتميه لفشل خططنا الاعلاميه واهمالنا لثقافتنا .

كنا لندهش العالم

ختاماً لابد من الاشاره الى ان السودان هذا البلد العريق وبكل خصوصيته ونسيجه الاجتماعي المتميز كان بالامكان ان تلعب فيه ادوات الثقافه والاعلام دوراً تاريخياً لندهش العالم باننا من الشعوب التي ظلت تبدع في احلك الظروف وتخرج من اخطر ازماتها بافضل النتائج واكثرها ربحاً لهذا الوطن …

واخشى ما اخشى اننا نمضي على طريق فوضى اعلاميه وانهزام ثقافي يقودنا الى حافة الهاويه او بالاصح يقودنا نحو الهاويه .

الفاتح محمود عوض: صحيفة أخبار اليوم

[/JUSTIFY]
Exit mobile version