كيف صعدت ولماذا ارتقت وزيرة!!(مشاعر الدولب) والسير حافية على أشواك المجتمع!!

[JUSTIFY] كيف صعدت التيارات الحديثة في القطاع النسوي بالمؤتمر الوطني لمراتب الوزارات والسفارات والبرلمان مع غروب شمس الجيل الأول كما يتبدى للمراقب، وزحزحة الجيل الثاني لمواقع حزبية تعلو قيمتها حيناً وتخبو؟!!.
جيل جديد له رؤيته التي تتماهى أحياناً مع مقتضيات الحداثة دونما أن تذهب خصائص وسمات الفكرة والنظرة.. جيل من النساء ولج ساحات المجتمع الدولي منافحاً عن القيم الحضارية أكثر من انكفائه على جدلية الخمار، العباءة والبرقع!!. لم تجلس د. «سعاد الفاتح» على كرسي القماش وتذهب للمعاش، وكذلك د. «حكمات حسن سيد أحمد» ود.«سعاد الغبشاوي»، ولكن مقتضيات التجديد ذهبت بالجيل الأول من نساء التنظيم الحاكم لمقاعد المراقبة والمتابعة والتعليق على الأحداث عوضاً عن صناعتها.. وتدحرج إلى مواقع ثانوية الجيل الثاني د.«سمية أبو كشوة» و«رجاء حسن خليفة»، وصعد من خلال نافذة الشباب والطلاب والمرأة جيل جديد مثل «سناء حمد» و«أمل البيلي» و«مشاعر الدولب» و«أميرة الفاضل» و«ليلى أحمد سعيد» ونجمات أخريات في الأفق السياسي .. لكن «مشاعر الدولب» مثل صعودها من وزيرة بولاية الخرطوم لخلافة «أميرة الفاضل» علامات استفهام!! من وراء الصعود المفاجئ، هل هي الكفاءة والعطاء؟؟ أم مقتضيات التجديد؟.
ترفض «مشاعر الدولب» تعبير صعود إلى أعلى.. ولا تعتبر الوظيفة شأناً يرتقي بالإنسان، ولكنها وسيلة لخدمة أهداف عامة تتوق إليها بشغف وحب، وهي لم تخرج لفضاء الجهاز التنفيذي كما يتبدى للبعض أو قيوده وسجنه المعنوي لمن عاش تجربة الحرية التنظيمية وفضاء المنابر، وتقول عن تجربتها إنها جاءت للوزارة من نافذة أمانة الشباب، وليس من (مربع وحواكير) القطاع النسوي وما بين القوسين من عندي لا منها.. وهي لا تسقط اعتبارات تمثيلها للمرأة أو بالانتماء البيولوجي، ولكنها تعبر عن قطاع الشباب وجيل الحركة الإسلامية، ولا تنسب نفسها للإصلاحيين ولا الراديكاليين.. وما بين التيار الواقعي أو أهل الفعل والتيار النظري ممن أطلق عليهم د. «التجاني عبد القادر» أهل النظر.. تبدو تجربة «مشاعر الدولب» تغطي على بعض إشراقاتها، وتخبو قدراتها كمثقفة وقارئة وشاعرة في بواكير الصبا تحت زحمة الأوراق والتقارير، وما بين زحام الاجتماعات وتدافع أصحاب الحاجات في وزارة كثير من القواعد الاجتماعية لهم فيها رجاء وأمل، رغم قساوة الواقع ومرارة الفقر الذي أذل نصف الشعب السوداني وحرم النصف الآخر من متعة الحياة .. فلماذا تبدو (حاكورة) التخطيط الاجتماعي في تجربة الإسلاميين السودانيين (مؤنثة).. في صالون الوزيرة «مشاعر» صور شاحبة وأخرى مضيئة.. وجوه ناعمة وأخرى نعمتها النعمة علقت بإهمال في الصالون الصغير.
«سامية أحمد محمد» ليست أول امرأة تتقلد منصب الوزير الذي يفترض أن يكون أميناً على حقوق الفقراء والمساكين.. سبقتها في الحقبة المايوية د. «فاطمة عبد المحمود» بشعرها المجعد وهي تمثل جيلاً عاش تجربته ومن ثم «رشيدة عبد الكريم» القادمة من حزب الأمة في التعددية الحزبية.. ثم «أميرة الفاضل». .و»الغبشاوي».. ومن الرجال كانت وزارة التخطيط الاجتماعي المسرح الأول لسفور وجه الإسلاميين كصناع للإنقاذ وملاك لختمها.. وأصحاب الأسهم الوحيدين في تأسيسها، حيث خرج «علي عثمان محمد طه» من مكتبه بمصرف الشمال قريباً من «حسن ساتي» وبعيداً عن ضجيج وزحام الأسواق، ليعتلي منصب الوزير فجمعت له النقائض والأشتات، فأصبحت وزارة التخطيط الاجتماعي تخطط لنشر الدعوة الإسلامية، وتصادق على قيام الكنائس وتطعم الجوعى من نافذة معتمدية النازحين، و(تستقطب) زعماء العشائر والقبائل تحتضنهم برفق وتنفق عليهم بقدر، وتنظر منهم عطاءً وسخاءً. وما إن غادر «علي عثمان» التخطيط الاجتماعي، إلا وجاء «محمد عثمان الخليفة» الصوفي القريب من التيارات الوسطية. ولكن الوزارة كانت آخر موقع وظيفي لرجل حمل بندقيته من أجل الإنقاذ مرتين الأولى لبسط نفوذها وتمكينها، والثانية لزوالها ورميها في بحر الأموات من الحكومات إنه د.»خليل إبراهيم» رحمة الله عليه، كان موظفاً في الوزارة. ود.»الطيب إبراهيم محمد خير» وزيراً قبل أن يجرفه تيار الإقصاء ويذهب بعيداً عن ساحات السياسة ويفشل حتى مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير في أن يعيد إليه ذياك البريق القديم..
«مشاعر الدولب» تعترف بأن المرأة التي تخرج من الصباحات الباكرة (دايشة داقشة المغربية) ووجهها محزون لتعمل في صناعة الشاي في طرقات الخرطوم، لا ينبغي للدولة أن تطاردها كأنها اقترفت جريمة أو نهبت حقاً خاصاً.. تبدو التزاماتها كوزيرة حاضرة، حينما لا تقدح أو تنتقد تجربة النظام العام، ولا تجد تبريراً لسلوكيات تجرم المرأة بمجرد أنها خرجت لتعيش على مهنة صنع الطعام في الأسواق دون مصادقة من السلطة.. وتقرأ «مشاعر الدولب» التقارب والتحالف والتعاون بين حزب المؤتمر الوطني في السودان والحزب الشيوعي الصيني بأنه تعاون لأصحاب مصالح اقتصادية وتوجهات مختلفة.. فالشيوعية التي تجمع الوطني في الصين هي ذات الشيوعية التي تباعد بين د.»نافع» و»الخطيب» أو بين «مديحة عبد الله» و»مشاعر الدولب» التي تقول إنها لا تجد حرجاً في تقاسم مقاعد الوزارة مع شيوعية أو شيوعي إذا اتفق حزبها الوطني مع الحزب الشيوعي على التعاون والمشاركة، وتذهب بعيداً في أنها يمكن أن تصاهر شيوعياً إذا طلب يد ابنتها أو أختها إذا شهد الناس لهذا الشيوعي بالاستقامة وأداء الفرائض في المسجد والصوم والحج وحفظ النفس من المحرمات.. وبذلك لا تعتبر «الدولب» الشيوعي على إطلاقه كافراً أو ملحداً، كما تذهب بعض مذاهب الإسلاميين. .وتقف «مشاعر» في حديثها الذي ينشر في قادم الأيام ما بين تربية الإمام «حسن البنا» ومنهجه العملي، وما بين منهج «سيد قطب»، وإذا كان «البنا» يقول كونوا عمليين لا جدليين، بينما ثمرة فكر «سيد قطب» مناقضة لذلك بالمفاصلة والمجانبة والامتناع عن الآخرين، وهي تبرر الظرف التاريخي الذي عاشه «قطب» والكبت والإرهاب والقمع والإقصاء الذي تعرض له وجعله يختار فكر الامتناع. وتجهر الوزيرة كمثقفة وقارئة وناظرة للأشياء بعيداً عن المقعد الوثير بأن التجربة الإسلامية السودانية لها خصوصيتها التي استمدتها من مجتمعها، وأن ما بين تأثير دراسة القانون على الرعيل الأول من الحركة.. «الترابي» و»دفع الله الحاج يوسف» و»محمد يوسف محمد» و»الرشيد الطاهر بكر» قد أضفى اهتماماً كبيراً بقضايا الدستور والقانون، رغم أن تجارب السودانيين في التراضي على دستور متفق عليه قد خابت وفشلت، وبعد (23) عاماً من وصول الإنقاذ للسلطة لا يزال متعذراً عليها التوصل لصيغة دستور بسبب الخلافات بين الأحزاب، وأن فلسفة «راشد الغنوشي» في تونس اقتضتها ظروف المجتمع التونسي، وأن دراسة «الغنوشي» للفلسفة في مصر وتركيا ألقت بظلالها على طرائق تفكيره ومناهج أدائه، ولكن التجربة السودانية تختلف من واقع التحديات التي جابهتها داخلياً وخارجياً.
بيد أن تجربة السودان التي تنظر إليها الأستاذة «مشاعر الدولب» بقدر كبير من الرضا والقناعة بها، وتلتمس العذر لأخطائها وإخفاقاتها.. تواجه التجربة سؤالاً عميقاً كيف نزعت عن وحدة البلاد ثوب قداستها بتفريطها في الجنوب الذي ذهب لسبيله دولة مستقلة، وسكنت الحرب أوصال الشمال في دارفور وكردفان، واستعصت على النخبة المتنفذة في السلطة الوصول لوصفة علاجية لبسط العافية في بقية جسد أصابه من الرهق الكثير.. الوزيرة «مشاعر» تقول إن الجنوب لم ينفصل لإخفاقات المشروع السياسي للإنقاذ فحسب، وإنما بصر السياسيين يرنو لعام 1995م حينما اجتمعت فصائل المعارضة في ما عُرف بمؤتمر أسمرا للقرارات المصيرية، واتفقت الأحزاب حينها على أن يمنح الجنوب حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية قدرها (10) سنوات تعقب سقوط النظام. ولم تتذكر الوزيرة «مشاعر» وهي تتحدث بفيض الخاطر وتقليب المواجع حتى تبدو سحابة حزن تغطي نصف وجهها لأن النصف الآخر اكتسى بحجاب صارم.. وهي تتذكر شقيقها الشهيد وإخوانها من بيت (الدولب) ومن بيت الحركة الإسلامية ومن فصيلها الطلابي، الذي دفع ثمناً للوحدة لم تدفعه القوى السياسية السودانية مجتمعة، ورغم ذلك ذهب الجنوب لسبيله.. ربما سقطت ذاكرتها على ما جاء على لسان الراحل «محمد أبو القاسم حاج حمد» تعليقاً على مؤتمر أسمرا للقرارات المصيرية، وهو يقول: (اليوم فقط أدركت أن السودان صار يتيماً بلا أب)، وقد رحل «محمد أبو القاسم حاج حمد» قبل أن ينفصل الجنوب ويتمزق السودان لدولتين، ويكتب منبر السلام العادل بفرح جهول أبيات رددها «جعفر محمد عثمان» عن مذبحة توريت، حينما ذبحت المعلمات وذبح المعلمون في توريت مثل الشياه:
توريت يا وكر الخديعة والدسائس والدم
الغابة مطرقة الغصون على دجاجي المعتم
والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم
فذهبت توريت وبقيت أوجاع الوطن.. فهل دارفور تمثل وجهاً آخر لفشل النخبة السودانية ؟ أم هي خطيئة يتحمل وزرها الإسلاميون وحدهم؟؟
ترفض الأستاذة «مشاعر الدولب» تشبيه وتماثل قضية الجنوب بدارفور، وتعتبرها فتنة سلطة وأخطاء إدارية.
ولا تبدو «مشاعر الدولب» قلقة لظهور تيارات إصلاحية داخل المؤتمر الوطني أو خارجه لطبيعة التنظيم التي تموج بالحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأن هذه الظاهرة لا تمثل دليلاً على ضيق الشورى وانسداد أفق الحوار الداخلي ولكنها مصدر عافية من جهة أن الأجسام والكيانات الجامدة تنقرض وتموت، وأن الديناصورات حينما فقدت القدرة لخصائصها الفسيولوجية انقرضت وتلاشت، وقالت عن الحركة الإسلامية خرجت منها جماعات عديدة بما في ذلك شيخها أي شيخ الحركة حتى لا يساء التفسير د. «حسن الترابي» بعد أن أصبح في يوم ما مجرد ذكر الشيخ «الترابي» بالخير سبباً لتصنيف الرجال قبل النساء وإبعادهم من المواقع.. لكن عافية تبدو، وتصالحاً في دواخل الوزيرة «مشاعر» وهي تتحدث عن وحدة الإسلاميين بواقعية ورغبة.. تلك شذرات وجزئيات من حديث ذي شجون مع الوزيرة «مشاعر الدولب» نصه في مقبل الأيام، وروحه نثرناها هنا لإثراء الحوار العميق بين التيارات السياسية والفكرية في البلاد. وجيل «الدولب» يمثل الغد واليوم، وأجدى وأنفع أن يصغي الناس لوجوه جديدة وفكر آخر ورؤية يتأبطها شباب بلغ السلطة في أعلى مراتبها، ولكنه غير مبطور بها.

يوسف عبد المنان: صحيفة المجهر السياسي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version