وشركات استخلاص الديون هي شركات تقوم بشراء الديون المتعثرة والمشكوك في استرجاعها بالحصول على ترخيص من الشركات أو المؤسسات البنكية أو التجارية والصناعية، بعد فشل الشركات الأصلية في استخلاصها لعدد من الأسباب، لتتولى شركات استخلاص الديون تحصيل تلك الديون لفائدتها او مقابل عمولات في الغرض، ويعرف نشاط شركات استخلاص الديون عالمياً بمسمى «الفكتورينغ».
رئيس القضاء محمد حمد أحمد ابو سن، أصدر في السابع والعشرين من أغسطس المنصرم منشوراً وجه فيه المحاكم بعدم قبول أية دعوى ترفع بواسطة شركات استخلاص الديون بدلاً من الجهات الدائنة، ما لم يكن هناك تراضٍ كتابي بين أطراف الدين.
والمنشور القضائي رقم «4» لسنة 2013م الذي تحصلت «الصحافة» على نسخة منه، كشف عن بدء بعض الجهات الدائنة للدولة فى اتخاذ اجراءات اقتضاء ديونها او تنفيذها عن طريق شركات تخصصت في الحلول محل هذه الجهات دون مراعاة للقوانين الوطنية واجبة التطبيق، وانه لما كان لزاماً المواءمة بين حق التقاضي المكفول للدائن ــ أصالة أو وكالة ــ وبين النصوص القانونية التي تنظم اجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام، فعلى المحاكم أن تراعي أن بيع الدين بهذه الطريقة يكيف ضمن عقد الحوالة الذي يشترط لصحة عقدها صدوره كتابياً باعتباره أحدث تبدلاً في مراكز أطراف عقد الدين مما يتوجب ضرورة توفر عنصر التراضي بين أطرافها جميعاً سواء أكانت الحوالة في شكلها التقليدي أو كانت بالوجه المحمول عليه المتمثل في حالة بيع الدين، ففي الحالتين يشترط تراضي أطرافها.
وأشار المنشور إلى أن الدعوى إذا قبلت في دولة أخرى وصدر الحكم فيها بشأن الدين المحال الخاص بأجهزة الدولة دون مراعاة شرط القبول الكتابي من المدين، فعلى المحاكم الوطنية عند تنفيذ ذلك الحكم الأجنبي مراعاة ضرورة استيفاء الحكم الأجنبي للشروط كلها بدءاً من توفر شرط التراضي والتوثيق بالكتابة، وصولاً إلى التحقق من استيفاء الحكم الأجنبي شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية الواردة في قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م .
وفي ادارة التسجيلات التجارية التابعة لوزارة العدل التقت «الصحافة» بالمسجل التجاري العام مولانا هند عبد الرحمن الخانقي، التي افادت بأن عدد الشركات المسجلة بالبلاد حتى 28/8/2013م يبلغ «43.410» شركة تجارية، ماضية للقول إن من حق الشركات في السجل ان تكون متعددة الاغراض، وبالتالي يحق لها أن تعمل في أكثر من غرض ضمن عقد تأسيسها، ومن حقها أن يكون لها «20» او «30» غرضاً، وقالت مولانا هند في تعليقها على ما أورده منشور رئيس القضاء: «إن حوالة الدين قد تكون واحداً من أغراض هذه الشركة، ولكن في ما يتعلق بالجهات الحكومية سوى أكانت تحصيل أموال نيابة عن الدولة او من الدولة او في مواجهة الدولة، فهذا الغرض لا نوافق عليه إلا بعد موافقة وزارة المالية، والمسجل التجاري العام قطع بعدم التدخل الا في حالة القضايا المرفوعة ضد الشركات.
وفي قراءة لما أورده المنشور بخصوص اشتراطات السلطة القضائية في ما يتعلق بحوالة الدين واستخلاصه عبر الشركات، حدثني المستشار بوزارة العدل مولانا عبد القادر محمد دياب قائلاً إنه لا بد من تراضي الاطراف في حالة تحويل الدين لجهة معينة، ويشترط موافقة المدين، والتراضي يكون وفقاً لجهة معينة لإجراءات العملية المتبعة لرفع الدعوى، ولأن الجهات الحكومية لها إجراءات معينة في تخليص الديون تبدأ بإنذار من النائب العام للجهة المدينة بأن هناك جهة تشكو ضدها، وهذا حتى تعمل الجهة المدينة اجراءات التسوية مع الجهة الدائنة، وباعتبار النائب العام محامي عام الدولة، فهو يرسل الانذار ومن ثم يمنح الجهة الحكومية فترة زمنية محددة للتسوية او الرد، ومن ثم يمنح الجهة طالبة الدين الإذن بتحريك إجراءات القضية في المحكمة، ويعد إذن النائب العام شرطاً أساسياً في القضية.
وأضاف مولانا دياب أن رئيس القضاء قد أورد نص المنشور من صلب قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م، وهذا المنشور يُراد به حماية الدولة لمؤسساتها العامة والمؤسسات المالية خاصة والبنوك من الشبهات، خاصة انه في الفترة الأخيرة قد ظهرت العديد من الشركات التي جعلت من استخلاص الديون من الحكومة جزءاً من اختصاصاتها، وتنشط هذه الشركات مع المستثمرين الأجانب، وصاحب الشركة يقول لصاحب الدين « ديل خلوهم لينا نحن بنقدر عليهم»، ولا يتردد الأشخاص في بيع ديونهم لهذه الشركات خاصة في ظل فهم ساد أخيراً مفاده ان «المال الذي في يد الحكومة لا يعاد لصاحبه ويصعب استرداده» ما حدا بالشركات إلى المتاجرة بهذه الديون دون استصحاب القانون الذي اشترط موافقة الجهة المدينة كتابياً.
وقال مولانا إن من الأسباب التي تدفع البعض الى شركات الاستخلاص بيروقراطية ونمط العمل، اذ ان اجراءات التنفيذ ضد الدولة تسير بطريقة أكثر بطئاً وتستغرق مدة زمنية أطول ما بين رفع دعوى التنفيذ ومحكمة التنفيذ والحجز.
وعن الجدل القانوني يرى مولانا عبد القادر دياب أن رئيس القضاء أراد مراعاة بعض القضايا المسكوت عنها حتى لا تضار مصالح البلاد الاقتصادية وسمعتها، واصفاً المنشور بأنه تفصيل للقوانين السودانية في مجالات ديون الدولة، وهي موجودة ولكن غير مفعلة، والمنشور مستند بقانون الإجراءات المدنية، وهذا يؤكد أن الشركات والقوانين مرتبطة مع بعضها البعض. وإذا لم تلتزم شركات استخلاص الديون بضرورة حصولها على موافقة الدولة بحوالة الدين، فإنها تسقط حقها في المطالبة بالدين، والقوانين السودانية رادعة في نصوصها ولكن تنقص بعضها نقاط التفعيل، وهذا ما قام به رئيس القضاء، والمنشور يشير الى ان قضايا الشركات ضد الدولة وصلت الى حد الظاهرة التي اصابت الحكومة بالقلق مما دعاها الى ضبط حوالة ديونها بتفعيل القانون.
وقريباً مما ذهب اليه مولانا عبد القادر دياب أكد مصدر مطلع لـ «الصحافة» فضل حجب اسمه، أن تقارير القضاة العاملين في جميع الدوائر لرئيس القضاء أعطته مؤشراً بتزايد قضايا شركات استخلاص الدين المحول عبر هذه الشركات من أصول اصحابها ضد الدولة، وان هذه الشركات تخصصت في هذا المجال، ليتجه رئيس القضاء نحو معالجة الظاهرة التي ربما بدت مزعجة بعض الشيء ما استدعى ضبطها وفقاً لنصوص القانون وإخطار المحاكم.
وفي ذات المنحى يضيف الخبير القانوني نبيل أديب عبد الله أن المنشور يشير لحوالة الحق، وهي مسألة من مسائل القانون المدني التي يتم الفصل فيها وفقاً للأحكام الموضوعية للقانون. والسيد رئيس القضاء لم يقصد تغيير الأحكام الواردة في القانون وإنما قصد التنبيه لها، وتظل سلطة الفصل في الدعوى من اختصاص القاضي الذي ينظر الدعوى.
وللوقوف على الدلالات الاقتصادية لشركات استخلاص الأموال تحدثت «الصحافة» إلى أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين والخبير الاقتصادي بروفيسور عصام الدين بوب الذي بدا متخوفاً من ازدياد حالات الشيكات المرتدة بدون أرصدة من قبل جهات حكومية، وقال إنها قد تصبح نمطاً يسرى على الجميع، وبيع الدين سواء أكان للمواطن السوداني او الاجنبي بأقل من قيمة الدين يحمل في مضمونه شبهة ربا، لأن هذا المال لم يتم اكتسابه عن طريق عمل اقتصادي، وقال: «إن نشاط الشركات في هذا المجال في حد ذاته يحتاج الى مزيدٍ من البحث والتمحيص، لأن البيع عندها يدخل فيه بيع جميع الأرباح، وهي ليست من حق حامل الصك. وفي السودان يقال إن الحريات مكفولة، ومع سياسات التحرير الاقتصادي يمكن مقاضاة الحكومة في حال عدم التزامها بسداد ديونها، ولا يمكن أن تحمى الحكومة التي تطبق القانون نفسها وراء ستار القانون لكي لا تتم المحاسبة، وهذا حتى لا تتفلت الامور اكثر مما هي عليه، ومازالت مشكلات الشيكات الحكومية الطائرة تمثل هاجساً، وقد يساعد ذلك في إطالة عمر الديون الحكومية، وربما يمثل ذلك حماية الحكومة من متفلتين، وهذا يتعارض مع حملة مكافحة الفساد». [/JUSTIFY]
تحقيق: تهاني عثمان
صحيفة الصحافة