التنقيب عن الذهب لتمويل التمرد

[JUSTIFY]إذا كانت حرب الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ضد الدولة يراها البعض بأنها «صراع صفري».. وأنها «حرب عشوائية».. وأنها حرب تجارية «تحقق مطامع قادة التمرد، فتبقى كل هذه التقييمات بعد انفصال جنوب السودان صحيحة، لكن إذا عدنا إلى عام «1983م» حينما استأنف بعض الضباط الجنوبيين بالجيش السوداني التمرد بعد مضي أكثر من عشرة أعوام على اتفاقية أديس أبابا، فسنجد أن الدعم الأجنبي الذي يقف وراء الصراعات هذي يراد من خلاله جعل المنطقة في حالة انفجارات أمنية باستمرار لخلق فوضى تتسق مع القيام بعمليات لنهب موارد البلاد بطرق مختلفة. أو لشرائها من جهات غير رسمية ـ مثل المتمردين ـ بثمن بخس وسعر زهيد لا يزيد في كل مرة عن حوافز قادة التمرد وإغاثة المتمردين. فحسابات القوى الأجنبية هي على طريقة رواية تاجر البندقية التي يقدِّم فيها التاجر اليهودي قطعة زيتونة واحدة مقابل رطل دم من زبونه.

وهذا ما تفعله الآن القوى الأجنبية مع دولة العالم الثالث حكومة وشعباً ومتمردين. و«رطل الدم» الآن هو ذهب السودان في جنوب كردفان وبعض المناطق الحدودية في الاتجاه الجنوبي خارج هذه الولاية. كان السودان أيام الاحتلال البريطاني والاحتلال الخديوي المصري يتعرَّض لسرقة معادنه النفيسة تحت غطاء الحكم الأجنبي. اليوم لعله يتعرَّض لذات السرقة تحت غطاء أنشطة التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهذه المرة تبقى السرقة بصورة مموَّهة.. فحينما ينقب عن الذهب هناك جنود التمرد في قطاع الشمال بالحركة الشعبية وبعض حركات دارفور المسلحة بأجهزة تنقيب حديثة ومتطورة بآلاف الدولارات يستجلبها للتنقيب قادة التمرد، فإن الزبائن من الأجانب «رجال الأعمال اليهود والنصارى والملحدون» هم الذين سينهبون من البلاد مواردها وثرواتها مقابل أثمان بخسة يقدّمونها للتمرد.

لكن نقول إن اتجاه المتمردين للتنقيب عن الذهب بالقرب من معسكراتهم والاعتماد على عائده مهما كان زهيداً، أفضل من الاعتماد على نهب أموال السكان في بعض المناطق الأقرب إلى معسكراتهم.

لأن الاعتداء على المواطنين يعرِّضهم إلى القتل والأذى الجسيم وانتهاك حرماتهم، وهذا ما حدث كثيراً من قوات قطاع الشمال بالحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب. فالإنسان أهم وأغلى من الذهب. لكن هل سيكتفي المتمردون بالتنقيب عن الذهب لبيعه في «الأسواق السرية» ويتركوا المواطنين في أمنهم واستقرارهم باعتبار أن حربهم ضد الحكومة؟ نعم هي حرب صفرية وعشوائية بالنسبة للمواطن فلن يستفيد منها شيئاً في يوم من الأيام.. بل يتضرر ويخسر ويجوع ويمرض ويموت. لذلك يبقى الاعتداء على موارد البلاد وبيعها للقوى الأجنبية في السوق السرية أفضل من اللجوء إلى النهب المسلح بالمدافع المحمولة على ظهور سيارات لاندكروزر.

وكان قد جاء في الأخبار أن العشرات من المتمردين اتجهوا للتنقيب الأهلي عن الذهب «إذا لم نقل التنقيب الأجنبي تحت غطاء المتمردين» بمناطق بولاية جنوب كردفان ومناطق أخرى على حدود عام «1956م»، وبالقرب من معسكرات التمرد وخطوط سيره وأن قادة بارزين استجلبوا أجهزة للكشف عن الذهب وكلفوا جنوداً مفرغين بأعمال التنقيب.

وتساؤلنا هنا: من أين استجلبت أجهزة التنقيب؟ ومن دفع ثمنها؟ وهل بعد تفشي هذا الخبر ستكون حفرياتهم أهدافاً للجيش السوداني؟! سبق أن اعتدى بعض المتمردين على منقبين أهالي عن الذهب في مناطق بغرب البلاد، ثم لاذوا بالفرار. ويبدو أن الفكرة قد اختمرت في أذهانهم بعد الهزائم والخسارات التي تلقوها. لكن حسابات القوى الأجنبية في الاعتبار.

صحيفة الإنتباهة
خالد حسن كسلا

[/JUSTIFY]
Exit mobile version