والمباراة الفاصلة أقيمت بين منتخبي البلدين في الخرطوم، في أكتوبر 2010، حيث سأله مقدم البرنامج عن رأيه بصراحة عن أسباب تلك الأزمة، فأجابه (أبوالغيط) مباشرة، ودون أدنى تردد أن السبب كان الإعلام المصري.
رفع محاوره حاجبي الدهشة قبل أن يقول له: هل قلت (الإعلام المصري؟).. فرد أبوالغيط نعم (الاعلام المصري). وواصل يقول: درسنا ملف الأزمة من كلّ جوانبها ولم نجد سبباً لما حدث غير التناول الضار الذي انتهجته الفضائيات على وجه الخصوص للأحداث العابرة التي صاحبت المباراة.
لم نجد على الإطلاق أن هناك سوءاً قد جرى للمصريين في الخرطوم من قبل الجزائريين، والأمر في مجمله لم يتعد المشاحنات العادية التي تحدث بين مشجعي كرة القدم حتى داخل البلد الواحد.
معتادو أجرام
لم تكن هناك على الإطلاق نية من الجزائريين لعمل مذبحة للمصريين كما أشيع.. وأن المشجعين الذين جاءوا من الجزائر لم يكونوا من سجونها وليسوا معتادي إجرام.
وكنت قد طلبت من مبارك -والحديث ما زال لـ(ابوالغيط)- أن نرسل ألفين من الجنود المصريين للسودان لحماية المصريين. ولكن مبارك رفض.. وبالفعل لم تكن المخاوف في محلها..
إلا أن الفضائيات المصرية هوّلت الأمر لمجرد مضايقات عابرة تعرَّض لها بعض المشجعين وصبت الزيت في النار وكانت ماسمي بأزمة مباراة الجزائر.. انتهى حديث أبوالغيط.
كلنا يذكر (الرَّدحي) الذي مارسه الإعلام المصري عقب خسارتهم من الجزائر في الخرطوم في المباراة الفاصلة في تصفيات كأس العالم لمجرد أن الفنان محمد فؤاد اتصل بإحدى الفضائيات وقال لهم وهو يصرخ (الحقونا نحن بنمووووووت).
وسأله مقدم البرنامج: (طيب فين الأمن السوداني) فرد وهو ما زال يصرخ: (أمن آيه؟ مافيش أمن)، رغم أنه اعتذر بعد ذلك وشكر السائق السوداني الذي كان يقودهم وزعم بأنه سيقيم حفلاً يذهب عائده لهذا السائق بعد أن عنَّفه مخرجنا وسفيرنا عندهم الأستاذ سعيد حامد على حديثه الذي جافى الحقيقة.
دموع التماسيح
فاتصل بأحمد شوبير واعتذر وهو يبكي بدموع التماسيح وقال: “أرجوكم هاتولي اسم السواق دا أنا عايز أشكره.. وعايز أعمل عشانو أي حاجة”. وفي الواقع أن السائق الذي كان يتحدث عنه لم يفعل أكثر مما يفعله أي سوداني إذا شعر أن ضيفه يتعرض لمضايقات..
ولم يكن ذلك كافياً حيث شايع لاعب مصري (جهلول) يدعى أحمد حسام ميدو إعلامه عندما قال لقناة دريم، إن اختيار مصر لأرض السودان (من أساسو) كان خاطئاً، لأن التبادل التجاري بين السودان والجزائر أكبر بكثير من التبادل التجاري بين مصر والسودان..
لذلك كان من الطبيعي أن تقف الجماهير السودانية مع المنتخب الجزائري.. تخيل أنه يتحدث عن الجماهير السودانية وليس وزير التجارة السوداني.
المهم في الأمر أن المتابع للشأن المصري هذه الأيام سيدرك ببساطة أن الإعلام المصري هو المهدد الأكبر لأمن واستقرار مصر.. صحيح أن مرسي وحزبه يقعون في أخطاء ساذجة تجعله ضحية لتهكم وسخرية قوم يسخرون حتى من أنفسهم عندما لا يجدون شيئاً يسخرون منه.
حكم بلا تجربة
صحيح، إن الأخوان المسلمين دخلوا إلى الحكم بلا تجربة فأخذوا يتخبطون ويستفزون شعباً ما زالت دماء ثورته الحارة على مبارك تغلي.. ولكنهم يكررون تجربة أنظمة إسلامية كثيرة عندما تصل إلى الحكم فتخلط الدين بالسياسة فلا هي نجحت في السياسة.. ولا هي طبقت الدين..
ومع ذلك نقول إن صوت الإعلام المصري الزاعق الذي تمتطيه المعارضة ربما يعرض مصر لأزمات لن تخرج منها قريباً حتى وإن سقط مرسي كما سقط مبارك.
وربما شهدت الأيام القادمة نقطة تحول في حجم المأساة التي تعيشها مصر منذ أن توسد مبارك ونظامه حجارة سجن طرة.. ونزع عنهم كل حكمة تدار بها شأن ساس يسوس لنشاهد لأول مرة رجل يضحك من خلف القبضان والغضب يسيطر على سجانه.
خلاصة القول، الإعلام المصري (يدي النقَّارة عصا.. ويدي المنَّاحة وصا).
بقلم: عماد أبو شامة
كاتب وصحفى