ولأن لي علاقات واسعة جدا مع المهاجرين في كندا ومع السودانيين خاصة فقد تأكد لي فقرهم وأيضا عجزهم واستشرى بالتالي كذبهم ونفاقهم وأكثر شيء مكروه في كندا هو الكذ ب .
ثمة رأي سائد أن المهاجرين في كندا يتمتعون بمستوى عيش أرفع من أهل البلد الأصليين جراء عدة عوامل ، منها النسبة المرتفعة من حملة الشهادات الجامعية وإتقانهم عدة لغات ، فأصبح من يجيد اللغة الإنكليزية عالما متفقها يكفي فقط إدخال كلمتين باللغة الإنكليزية فيصبح متحدثا لبقا يشار إليه بالبنان ويتراجع المثقف المتعلم إلى الوراء منعوتا بأقبح الصفات ، وقد تعرضت شخصيا لهذه الكوميديا السمجة ، ولكني واجهت ذلك بقوة وثبات حتى مع كريمتي التي تجيد الحديث باللغة الإنكليزية بطلاقة ، وأشكر لها إصرارها لكي أتحدث مع أطفالها باللغة العربية .
تقول الوثائق المتداولة حاليا في الصحف السيارة وفي الندوات الإنتخابية التي حضرتها لعدد من الأحزاب السياسية أن نسبة الفقر في أوساط المهاجرين والمقيمين في كندا منذ خمس سنوات وما دون ، هي أعلى مما كانت عليه في الثمانينات ، حيث كانت النسبة خمسة وعشرين بالمئة ، بينما تصل حاليا إلى خمسة وثلاثين بالمئة ، بالمقابل هناك تراجع في مستوى الفقر في أوساط غير المهاجرين .
والسؤال : ما هو السبب ؟
أولا يجب أن نضع في البال أن الثروة الكندية قد وزعت منذ سنوات طويلة ليس فقط السكان الأصليين بل حتى بعض المهاجرين ، واستقر الأمر في شكل أراضي وعقارات ومحلات تجارية وكل ذلك يصاحبه نظام كومبيوتري دقيق جدا ، تخزن فيه كل البيانات والمعلومات بمنتهى الصرامة .
المهاجرون الذين وصلوا حديثا للإقامة في كندا وهم يسعون لبناء حياة جديدة ، ولذلك يجب إيجاد عمل ؟ وهناك مشاكل على صعيد التأقلم السريع وهو أمر تشهده كل الدول ، ومن الملاحظ أن المهاجرين الذين وصلوا إلى كندا في الثمانينات وقبلها كانت مشاكلهم أقل مما هي عليه اليوم .
هناك من يفكر بالعودة إلى بلده الأصلي وقد قابلت البعض منهم قال لي أحدهم أنه يأمل في أن تساعده خبرته الكندية المكتسبة في الحصول على مرتب أفضل في وطنه الأم وخاصة إذا كان بلده الأصلي مستقرا إقتصاديا وسياسيا ، وربما يفكر في السفر إلى إحدى دول الخليج كما حدث للبعض الذي آثر البقاء في الخليج على أن تبقى الأسرة في كندا نظرا للإمتيازات التي تقدمها الحكومة الكندية في هذا المجال .
الحياة الكندية بالنسبة للكثيرين من المهاجرين صعبة وقاسية خاصة مع وجود الأطفال ، البعض لا يرغب مطلقا في التنازل عن القيم التي إكتسبها في وطنه، فهو يقول أن بالإمكان الحصول هناك على عمل أفضل وبخاصة الذين جاءوا من الدول الناشئة والمزدهرة إقتصاديا ، وهنا تواجهنا ملاحظة مهمة جدا ، ذلك أن الوضع في الدول التي كان معظم المهاجرين يأتون منها خلال الخمسين سنة الماضية يأتون من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ، الآن يأتون من آسيا وإفريقيا ودول أمريكا اللاتينية ودولهم تعصف بها مشاكل كثيرة جدا .
المهاجرون الجدد وبسبب معايير إختيار المهاجرين يتمتعون بنسبة عالية من التعليم ، ونصفهم حاصل على شهادة جامعية في وطنه الأم ، لكن المشكلة تكمن في صعوبة حصولهم على معادلة لشهاداتهم وخبراتهم مما يستلزم ضياع الكثير من السنين .
قال لي بدوي تاجو المحامي المتخصص في القانون أن أمامه عشرات الطلبات لأشخاص يرغبون في الحضور إلى كندا ، من بينهم خبير سوداني وبروفيسور في القانون قدم طلبا للمجيء إلى كندا للحصول على أية وظيفة ولا مانع من الإنتظار لسنوات من أجل المعادلة
الصعبة !!! بقلم : بدرالدين حسن علي