ستات الشاي .. دفاع عن النفس بالماء الساخن

كانت وحدها على الطريق من بين عشرات الرجال تنظر بترقب لكل نور يسطع دون معرفة ماهيته، كانت حينها الساعة تقترب من الرابعة فجراً عندما توقفت سيارة الجيش ليسألها السائق عن وجهتها من بين أكثر من رجل ، قالت (قاطعة الكوبري بس)، ولم تعلم أن السائق يمر بجوار مكان عيشها كل يوم ، ركبت السيارة وفي معيتها بعض الحاجيات التي تقوم بعملها بجانب الشاي ، نزلت من السيارة قبالة موقعها وشكرت السائق بشدة لتقديمه الخير لها ومعرفة ظروفها دون الآخرين، لم تلحظ (سلمى) أن هنالك من كان يراقبها طوال عملها ولم يكن بينها وبينه إلا بعض أمتار توجست وقتها ولم تعلم أن الرجل الغريب يدبر مكيدته بعيدا عنها ، لم ترع إنتباهها لخطواته لكنها أيقنت من أن شيئا ما سيحدث وضعت (الكفتيرا) على النار حتى تصاعد بخارها ، حدثته نفسه للتعدي عليها فهجم عليها دون مقدمات لعدم وجود أحد في الشارع التي تعمل فيه ، حينها صرخت (سلمى) بطول صوتها وأمسكت (الكفتيره) بيدها وصبتها على رأسه لترديه مصابا بجروح دفاعا عن نفسها وشرفها .

الحادثة تعكس التصور الخاطئ الذي يعتقده البعض كما أن الظلم الاجتماعي الذي يلقي بظلاله على تلك المهنة له الأثر السلبي في الكثير من الحالات كما أن له دوره في تقييم تلك النظرة ، فالمردود الطبيعي هو معالجة ذلك التصور ، لذلك نجد أن إندساس بعض السيئين وأصحاب النفوس الضعيفة في ذلك الجانب لايعكس التقييم ولايشكل وجهة النظر الحقيقية لتلك المهنة ، فالحالات النادرة تضع إنطباعا يؤثر على سمعة ومصير كل المرتبطين بتلك المهنة لذلك بعض المنتسبين لها يجدون الصعوبة في التعريف بأنفسهم عند أول سؤال .

الكثير من حالات التعدي على ستات الشاي باتت ظاهرة طبيعية تجدها العاملات في ذلك الجانب كأساس لذلك تصبح طبيعة الدفاع عن أنفسهن ردة فعل واجبة وليس وسيلة لإبعاد الزبائن بل تعريف بحقهن في الرد ، فالبعض قد يتعدى طور التعامل الجميل لمابعد الحدود الشخصية بل والغوص في جوانب يعجز البعض عن ذكر مدلولها دعك من الحوار والغوص في مضامينها، لذلك تبتدر الكثير من ستات الشاي الحوار بالحديث عن أوضاع العيش وغلاء المعيشة كأساس للابتعاد عن الونسة الدقاقة لأنها لاتجدي شيئا سوى المشكلات على حسب حديث (حاجة آمنة) بائعة الشاي باحدى شوارع الخرطوم كما تنظر للعلاقة المميزة التي تربط بينها وبين الزبائن على انها علاقة لاتتعدى حدود الونسة الطبيعية فالكثير يجد نفسه في ذلك الجانب كطرف ثاني للحوار ليس إلا ، كما أنها ترى ان بعض الشباب ضعيفي النفوس يلجأون للمعاكسة كتصور ضحل لحقيقة المرأة التي تعمل في تلك المهنة وأولئك قلة في المجتمع وتصفهم بالمنبوذين على حد تعبيرها .

السلوك الإنساني أساس كل شيء والدافع النفسي قد يكون له الأثر الطبيعي في تصوير كل شيء لذلك نجد أن (م) بائعة شاي ترجع تلك الحالات الغريبة للسلوك الانساني والعوامل النفسية كفرضية لها أثرها على طبيعة الزبون ، فقد يأتي البعض للتنفيس عن مشكلاته والحديث عنها بإسهاب وقد يأتي البعض الآخر لخلق حوار مع بعض الأصدقاء بل تتعدى طبيعة ذلك بالحديث عن هموم الوطن ومصير الدولة ، لذلك ترى (م) أن إختلاف البشر وسلوكياتهم له تبعاته كما ان النظرة الحقيقية لمهنة الشاي لايقيمها إلا من ضاق مرارة العيش بإذلال .

طبيعة العمل تجعلك مرشحا لتقبل الكثير من الشتائم حفاظا على مصدر الرزق وحماية للنفس من سؤال الحاجة، لكن طبيعة ستات الشاي ربما تحتاج للكثير من الجهد والدبلوماسية لتجند من خلالها الكثير من الزبائن فهي مهنة تعتمد على الإبتسامة كأساس لجذب الزوار ، النظرة المستحقرة وإرتباط المهنة بمآرب اخرى يغير من مفهوم مقصدها، فالكل قد ينظر لستات الشاي من باب مختلف عن التصور الحقيقي لها ، فالمرأة التي تقدم تلك الخدمة لم يكن هدفها إلا الإكتفاء الذاتي والعمل بشقاء لكرامة الوجه فالمفهوم التقليدي الذي كان يبديه بعض صغار النفوس أشبه بالمندثر في يومنا هذا لذلك حاجة البيوت وغياب رب الأسرة رشح الكثير من النساء لتقلد تلك المهن الصعبة كمصدر رزق يفتح بيوتا ويعيل أسرا وجدت نفسها في سندان الغلاء المعيشي وتقلب طبيعة الاقتصاد

رغماً عن أن الكثير من ستات الشاي ضحايا للنظرة الضيقة إلا أن البعض منهن ينظرن لها على أنها مهنة يجب أن تجد حظها من التنظيم سواء من خلال التمثيل في اتحاد العمال أو تكوين جهاز خاص بها يقف ضد من ينظرون لها على أنها مهنة هامشية، فالكثير من ستات الشاي يرجعن ذلك لقصر النظر التي تتناول تلك المهنة وأبعادها الاجتماعية ، فهي تعدت التصور الحقيقي وأصبحت أساسا للكثير من البيوت .

الخرطوم: مجاهد باسان:الرأي العام
Exit mobile version