وكانت هنالك جهات وتيارات رافضة لإنشاء هذه المفوضية لاعتبارات تتعلق بأن وجودها يعطي الفساد بعداً أكبر، وهو ما لا يتناسب مع حقيقة حجمه على ارض الواقع. لكن فى المقابل فإن التيار الذى كان يرى ضرورة إنشاء المفوضية يرى أن ذلك يمثل مظهراً إيجابياً، ويؤكد أن الحكومة على درجة عالية من الالتزام فى مكافحة الفساد، وأنها بذلك تؤكد جديتها في مكافحة الفساد، لذلك فإن على الدولة تحجيم الفساد واحتواءه وتقليله بقدر الإمكان في المستقبل، وإن الاعتماد على الأجسام الديوانية الموجودة لا يجدى، وسعى الحكومة لمحاربة الفساد اصبح لافتاً فى الفترة الماضية، ويؤكد أن مبدأ فقه السترة الذى كان سائداً لم يعد له وجود، وذلك بحسب المحلل السياسي عباس إبراهيم الذى يذهب خلال حديثه لـ «الإنتباهة» إلى أن الحكومة فطنت أخيراً إلى أن أي فساد يطول جهة حكومية ويمس المال العام سيكون له تأثيره السلبى فيها، خاصة أن الانتخبات على الابواب، وتريد بذلك ان تثبت للرأي العام انها ستحارب الفساد بأية طريقة.
وقد ظلت توجيهات الرئيس البشير المتكررة بشأن الفساد ومحاكمة كل من ثبتت عليه تهمة أو شبهة الفساد، عاملاً مؤثرًا في هذا الصدد، على الرغم من إنشاء آلية مكافحة الفساد برئاسة الطيب أبو قناية الذي تولى رئاستها في يناير 2011م، ومكث حوالى عام إلى أن تم إعفاؤه في يناير 2012م دون أن يحدث أي حراك يُذكر يصب فى صالح مكافحة الفساد.
وعلى الرغم من التصريحات والجهود المبذولة من قبل السلطات المختصة للقضاء على غول الفساد الذي طالما استعصى أمره، وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة ضد الفساد قد ارتفعت الى حد ما، إلا أن الظاهرة مازالت تشكل «بعبعاً» مخيفاً.
وتبرز أهم القضايا الكبيرة التي أُحيطت بسياج ضخم من التستر في بادئ الأمر حتى فاحت رائحتها، وهي قضية شركة الأقطان التي كشفتها الصحافة المحلية من خلال النشر الذي قامت به صحيفة «التيار» الموقوفة، وبعدها أكدت الحكومة أنه عندما كشفت الصحافة عن تلك القضية كان المتهمون فيها قيد الاعتقال، وتشعبت قضية الأقطان ودفعت رئيس لجنة العمل والإدارة والمظالم الفاتح عز الدين للاعتراف بالتعقيدات التي تكتنف قضية الأقطان، نظراً لبروز عنصر تعاملات تجارية خارجية مع ثلاث دول وأطرافها في الداخل.
والناظر لمثل هذه القضايا التي تتعلق بالفساد وبحسب بعض المراقبين، يجد أن الحكومة بدت حريصة بشكل واضح على تقديم كل المتورطين فى مثل هذه القاضايا التى تتعلق بالفساد والمال العام للمحاكمة، وكأنها بذلك تريد أن تقول انها مازالت جادة وحريصة على تقديم كل من يثبت تورطه فى الاعتداء على المال العام او الفساد فى أية جهة حكومية أياً كان منصبه ووزنه بحسب قرار المحكمة، فقد حسم النائب الأول لرئيس الجمهورية المحاولات من بعض المتنفذين لقفل ملف قضية شركة الأقطان وفتح الطريق أمام استمرار المحاكمة، ووجه بمواصلة السير في طريق العدالة حتى منصة القضاء. وكانت محاولات مستميتة قد بذلت في اليومين الماضيين لإقناع متخذي القرار بتسوية القضية على أن يقال د. عابدين محمد علي من منصب مدير عام شركة الأقطان، بينما تسترد بعض الأموال من محيي الدين عثمان. وحسب مصادر عليمة كادت المحاولات تنجح في قفل ملف القضية لولا تدخل النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي زجر الوسطاء، وأصدر توجيهاً صارماً باستمرار الإجراءات حتى منتهاها إلى منضدة القضاء. وتخشى بعض الدوائر الرسمية من أن يؤدي تحريك القضية جنائياً إلى فتح ملفات كثيرة ظلت في الظل، وربما تكشف أسماء الذين تورطوا في ملفات شركة الأقطان.. لكن بالأمس تم تقديم «19» متهماً وتوجيه تهمة الرشوة والتزوير وخيانة الأمانة للمتهمين فى قضية الاقطان.
ومما يعزز رأي القائلين بأن الحكومة الآن لم تعد حريصة على استمرار فقه التستر، قضية الأوقاف التي قادت المسؤول الأول في الوزارة الدكتور أزهري التيجاني وزير الإرشاد والأوقاف، والأمين العام لديوان الأوقاف وآخرين، وهي خطوة مبشرة، ويأمل الناس أن تستمر محاربة الفساد وتقديم المشتبه فيهم إلى المحاكمة وساحات القضاء.. فإما أن يبرئهم أو يعاقبهم.
صحيفة الإنتباهة
هنادي عبد اللطيف