حصان طروادة والدولار

نذكر أن بدرالدين سليمان عندما كان وزيراً للمالية أدارها بعقلية السوق فإنه إلى جانب حصوله على ليسانس في القانون إلا أنه يحمل درجة البكلاريوس في الإقتصاد أيضاً مما أهله لإستيعاب عمل الوزارة حتى انه عقد مؤتمراً صحفياً لإستعراض مؤشرات الميزانية العامة وكان ذلك على ما أذكر عام 1891م.
تناول عرض الأرقام من الذاكرة ويذكر له المبعوثون بجمهورية مصر أنه أصدر قراراً حدد بموجبه قيمة الجنيه السوداني بمبلغ 521قرشاً مصرياً أي أن الجنيه السوداني أصبح يساوي جنيه وربع مصري، وكان ذلك محل فرحة بالنسبة للمبعوثين في دراسات او دورات تدريبية الذين اصابهم ثراء طاريء.
هذا ما كان من أمر الجنيه السوداني الذي نعم «بدلع» الدول وأصبح مدللاً وقبلها بعقدين من الزمان كان يوازي 3 دولارات قبل أن تصيبنا لعنة الإنهيار الإقتصادي والتضخم الذي عصف بكثير من الرؤساء والدول.
وبالنسبة لنا الآن فإن البنك المركزي نجح في وضع سياسيات مالية أدت إلى إستقرار سعر صرف الدولار سواء داخل البنك او الصرافات ويشمل ذلك البيع او الشراء وتنسحب نفس السياسات على أسعار بقية العملات بما في ذلك اليورو عملة أوروبا «الموحدة» حيث أصبح سعر شراء الدولار 3655،5 بينما سعر شراء اليورو 0704،7 بالسوداني بينما أسعار البيع للدولار 5875و5 واليورو 6634،7 كما أصبح متاحاً للمواطن الشراء أو البيع من الصرافات التي إنتشرت داخل أسواق العاصمة والأطراف وتتبع في الشراء والبيع سياسات البنك المركزي الذي يؤمن موقف العملات الصعبة داخل الصرافات بحملات تفتيشية عبر أجهزته منعاً للتجاوزات إلا أن الصفوف أمام تلك الصرافات أصبحت ظاهرة لافتة للنظر.. حيث تمتد الصفوف بأعداد المسافرين طالبي العلاج بالخارج أو للسياحة أو تجار الشنطة الذين انحسرت أعدادهم بفضل سياسية التحرير الإقتصادي التي أغرقت الأسواق بالسلع الشىء الذي دفع وزارة التجارة الخارجية للتفكير في إصدار قانون يحاكم سياسة إغراق الأسواق بالسلع.
وعودة إلى موضوع الدولار فقد تلاحظ انه ورغم حملات المداهمة التي تتبعها السلطات الأمنية والقبض على تجار الدولار «السوق الأسود» إلا أن أعدادهم في تزايد حيث ينتشرون أمام متاجر السوق الأفرنجي وأمام الفنادق صباحاً اما في المساء فإن إنتشارهم يكون ليلاً في الخفاء بطول وعرض ميدان ابو جنزير ومن جميع الجهات الأصلية والفرعية ومؤشرهم «فرقعة» أصابع اليد لمن يريد شراء أو بيع العملة «كل العملات» أما زيهم فهي الجلابية «والطاقية» على الراس ومعظمهم فوق سن الأربعين، كما تسلل بعضهم إلى مطار الخرطوم وأقتصر عملهم على شراء العملة وذلك لأن «القادمين» يكتنزون العملات داخل حقائبهم فقط يحتاجون لشراء الدولار كمصاريف لسداد قيمة مشوار التاكسي او مصاريف أخرى يحدث ذلك رغماً عن وجود صرافات للعديد من البنوك داخل صالات المطار والشىء الغريب أن «تجار العملة» كثيراً ما يحسون بالخطر الداهم وحملات الأجهزة الأمنية فيكون الإختفاء والإختباء في لمح البصر وكأنهم قد تسللوا إلى داخل حصان طروادة كما في القصة التاريخية المشهورة حيث تحكي الخدعة أن الجنود دخلوا القلعة بإختبائهم داخل حصان خشبي مما مكنهم من إختراق الحصون وهزيمة العدو.

محمد عثمان عباس:صحيفة الوطن

Exit mobile version