ومن حينها اصبح الوصول الى منطقة وسطى بين الحكومة والحركات المسلحة صعباً للغاية على الرغم من الجهود التى يقوم بها الوسطاء والمجتمع الدولى لمجموعة من الاسباب التى تتفرع بين اختلاف الرؤى التفاوضية للحركات بالاضافة الى غياب المؤسسات وكثرة المنابر التى تنادى بالقضية الانسانية الماثلة هناك. وبين كل هذه الامور الشائكة والمعقدة برزت مجموعة من المبادرات يقودها الاتحاد الافريقى والوسطاء بالاضافة الى دعم المجتمع الدولى كانت بدايتها فى يوليو من العام الماضى بطرابلس الليبية لجمع الحركات وتوحيدها فى حركة واحدة او سقف تفاوضى متفق عليه على الاقل وبعد اجتماع طرابلس انتقل الجميع الى اروشا التنزانية فى اغسطس من نفس العام حتى حط بهم المقام فى عاصمة جنوب السودان جوبا واعلنوا الوحدة تحت اسم حركة تحرير السودان برعاية من الحركة الشعبية لتحرير السودان وضمت وثيقة الوحدة عشرة فصائل لتبدأ فصول جديدة للقضية الماثلة باقليم دارفور فى الوقت الذى رفضت فيه حركة العدل والمساواة بجانب حركة تحرير السودان التى يرأسها عبدالواحد محمد نور الجلوس مع الحركات الموقعة على اعلان الوحدة ، الا ان وحدة تلك الفصائل لم تضف جديداً يصب فى حل القضية .ومع مطلع الاسبوع الاول من ديسمبر الجارى بدأت فصول اخرى من العراقيل متزامنة مع تهيئة الاجواء التى يقودها الجميع للوصول الى تسوية سريعة للأزمة التى تدخل فى عامها التاسع بعد ان قامت هيئة القيادة بتجميد سلطات رئيس الحركة التى توحدت احمد عبد الشافى وامينها العام محمد على كلاى واتهامهم بالعديد من القضايا ابرزها التورط فى اغتيال رئيس هيئة الاركان صديق مساليت و13 من اعضاء الحركة بالاضافة الى غيابهم عن الميدان وتبديد اموال الحركة ، هذا هو فحو الخبر الذى اورده الزميل احمد فضل على صدر صحيفة الصحافة الصادرة فى صباح السادس من ديسمبر الجارى. وتوالت من بعده العديد من ردود الافعال والتطورات آخرها الاتهامات التى اطلقتها الحركة على لسان الناطق الرسمى باسمها عصام الحاج، مشيرا الى تورط الحركة الشعبية والجيش الشعبى فى عملية الاغتيال التى وقعت فى منطقة بورو ببحر الغزال. هذا الخبر اوردته الزميلة آخر لحظة يوم الأحد الماضى، وأضاف الحاج ان الحركة الشعبية إذا سمحت لرجلين احمد عبدالشافى ومحمد على كلاى بالحركة فهى تثبت بذلك، الا ان الكاتب الصحفى عبدالله آدم خاطر قال فى حديث لـ»الصحافة» أمس تعليقا على التطورات التى حدثت وسط الحركات التى توحدت فى منتصف نوفمبر الماضي بمدينة جوبا، إن الحركة الشعبية من المستبعد أن تتورط فى مثل هذه المشاكل ولكن يمكن أن تكون هناك جهات أخرى مستبعدا بدوره إتهام المؤتمر الوطنى من التورط فيها وأضاف أن مثل هذه الأمور لن تعرقل المسيرة السلمية التى تجرى الآن فى الإقليم لأن المجتمع الدولى ودول الجوار بالإضافة الى الوسطاء يعملون بشكل حثيث للوصول إلى سلام.
وعن دور الحركة الشعبية في قضية توحيد الحركات المسلحة بدارفور – حيث يتداول الهمس ان الحركة تسببت في تأخير مجموعات من اعضاء الحركات بتأخيرها مغادرة القادة من جوبا غافلين الى الميدان، قال الكاتب الصحفى عبدالله آدم خاطر إن الحركة قبلت بأمر استضافتهم بعد انفضاض اجتماع اروشا فى اغسطس من العام المنصرم ورغبة الوسطاء فى وسيط محلى.
الا اننا لو عدنا الى الوراء للتنقيب فى تاريخ الانقسامات ومجموع الاسماء التى ترددت فى الآونة الاخيرة بعد قرار اقال احمد عبدالشافى ومحمد على كلاى وتكليف ابراهيم احمد ابراهيم رئيس لجان مؤتمر حسكنيتة الشهير واحد مهندسيه الذى احدث اول انشقاق بحركة تحرير السودان التى اصبحت تعرف بجناح منى وعبد الواحد قبل ان يؤسس عبدالشافى حركة اخرى، وتوالت الانقسامات وتأسيس الحركات الجديدة الا ان ابراهيم احمد ابراهيم وعصام الحاج المقيم بايطاليا و مقرر مؤتمر حسكنيتة انشقوا عن حركة تحرير السودان جناح منى ، قبل التوقيع على اتفاق ابوجا واسسوا حركة وقعت ضمن الحركات العشرة بجوبا وحسب مصادر كانت مقربة من قيادات الحركات قبل وبعد الانشقاق ومشاركة فى حسكنيتة ابلغت «الصحافة» امس ان حالة العداء بين الرجلين واحمد عبدالشافى كانت واضحة منذ ايام المؤتمر وهم (ابراهيم والحاج) طلبوا من مناوى احتجاز عبد الشافى وعدم السماح له بالعودة الى الميدان بعد حضوره ممثل لرئيس الحركة عبدالواحد محمد نور الذى طلب ضمانات لحياته حتى يحضر الى هناك ابان انعقاد المؤتمر بحسكنيتة، الا ان عبدالشافى الذى كان يعارض المؤتمر عاد بعد ساعات الى الجبل وتعرضت سيارته الى حادث توفى فيه احد القادة الميدانيين ممازاد الشكوك فى رحلة العودة حيث ترابط قواته ورفض الانشقاق عن عبد الواحد فى ذلك الوقت.
ويواصل المصدر فى افاداته عن محمد على كلاى الامين العام المقال وهو منشق عن حركة منى بعد التوقيع على ابوجا وحضر الى الخرطوم وكان عضوا فى مجلس التحرير الثورى الا ان خروجه وتأسيس فصيل مستقل جاء بعد الهجوم الذى شنته حركة تحرير السودان التابعة لمناوى على المعاليا التى ينحدر اصله منها ،مما يشير الى ان الامر برمته صراع قبلي يفرخ فى شخصيات فقط، والآن بعد ان مضى عام ويزيد لتوحيد الحركات الدارفورية بعاصمة الجنوب جوبا تأتى بوادر انقسامات جديدة مع اقتراب رحلة البحث عن حلول للازمة في طاولة التفاوض مما يعيد القضية الى مربعها القديم.
وحسب خبراء ومتابعين للازمة الناشبة بالاقليم فإن حالة التفريخ التى تعانى منها الحركات المسلحة باقليم دارفور تضر بالقضية اكثر وتصعب الطريق للوصول الى حلول في محادثات مرتقبة تستضيفها الدوحة، فكل عملية انقسام جديدة بجسم الحركات المنقسمة اصلا يعنى تأخير التوصل الى سلام. وفى حديث مع احد النافذين بملف الحركات فضل حجب اسمه قال ان الامر الآن اصبح بحث عن مصالح شخصية فقط تتدثر خلف ثوب التهميش الاوضاع الانسانية ومن المصلحة ان يجلس كل قادة الحركات ويبحثوا عن مواقف مشتركة اولا قبل تفكيرهم عن المناصب والمصالح الشخصية ، لكن احد المراقبين والمهتمين بالصراع الدائر بدارفور ذكر لى ان الامر لايقتصر على البحث عن مناصب فقط بل يتعداه الى قصر التجربة فى العمل السياسى فالحرب يمكن ان تدار لكن التفاوض وادارة شئون الدولة هى الاصعب فالخلافات داخل اجسام الحركات لم تقتصر على الحركات الموجودة فى الميدان فقط فحركة مناوى التى وقعت على سلام قبل اكثر من عامين تعانى الآن من خلافات حادة وجوهرية بين رئيسها والامين العام والملاحظ ان الخلافات دائما تنشب بين القيادات العليا ويرجع الامر الى التنافس الشخصي.
وفي هذا الخصوص، يربط مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة دكتور الباقر العفيف مؤلف كتاب (ماوراء دارفور)، حالة الانقسامات داخل الحركات بالحالة السياسية العامة في البلاد التى تعتمد على الأشخاص دون القضية لأن الجميع مطالبهم متطابقة الا انهم مختلفون وكل واحد يحاول ان يسحب شرعية تمثيل الاقليم من الآخر الامر الذى يساعد ويدعم موقف الحكومة، ويشير فى اتصال عبر الهاتف مع (الصحافة) أن الحركات لديها خيارين التوحد فى موقف واحد للوصول الى حلول او التشرذم الذى يؤدى الى فقدان الشرعية مدللا بالصراع الذى كان دائراً بالجنوب ووجود ممثل واحد هو الذى ساعد على الوصول الى اتفاق ، ما يذكر عفيفي رواية من منتصف التسعينات للدكتور حسن الترابى عندما قال في إحدى ندواته قبل المفاصلة ساخرا من الاحزاب( أن الانشطارات التى تحدث فى اجسام الاحزاب ووسط قادتها تفضى بانقسام فى الجماهير لعدم وجود البرامج التى تنتمى لها القواعد).
من هنا يمكن ان ننظر الى واقع القوات العسكرية التى تنتمى الى كل فصيل مدى تأثيرها فى ارض المعركة بعد كل انقسام. فحسب معلومة من ذات المصدر الذى اوردنا حديثه عن الخلاف بين عبدالشافى وابراهيم احمد ابراهيم الذى شغل منصب مسؤول العلاقات الخارجية بتعيين من رئيس الحركة المنتخب فى مؤتمر حسكنيتة بخلاف ماينص عليه دستور ولوائح الحركة التى تعطى اختيار المناصب الى الامين العام، يقول المصدر ان هذه الحركة هى فى الاساس منقسمة من حركة إنشقت عن نفسها لذا لا تملك الإمكانيات التى كانت متوفرة للحركة الأم.
الآن بعد أن دخلت أزمة دارفور إلى مرحلة جديدة وتوصلت الحكومة مع أحد أطراف الصراع إلى تسوية جزئية فى أبوجا، لازالت رحلة البحث عن سلام كامل تجرى وسط انقسامات وخلافات غير مبشرة لكل الأطراف، لكن فيما يبدو فإن هذه الانقسامات قد تزيد من المصاعب فالحكومة التى وقعت فى ابوجا جزئيا وخاضت التجربة يبدو انها لن تقدم على اعادتها مرة اخرى، وهو العنوان الواضح منذ اجتماع أروشا فى اغسطس من العام الماضى عندما اصدرت الخارجية السودانية بيانا دعت فيه كافة الدول التي أبدت اهتماما ملحوظا بحل مشكلة دارفور إلى ارسال رسالة واضحة لكل حاملي السلاح بدارفور مفادها إما الاستجابة لرغبة المجتمع الدولي وكافة المكونات السياسية السودانية في إنجاح العملية السياسية أو اللجوء لخيار المعارضة السياسية السلمية وإلقاء السلاح.
والمعضلة الأخرى التى تواجه الآن عملية السلام هى المواقف التى أعلنتها حركة عبدالواحد محمد نور الرافضة لكل المبادرات التى تم طرحها من قبل الوسطاء، بالاضافة الى الشروط التى تقدمت بها حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل ابراهيم وتهديدات حركة تحرير السودان التى تنادى بعدم المساس باتفاق ابوجا واعتباره المرجعية لأية عملية تفاوضية لحل أزمة الاقيلم.
مع كل هذه الظروف، فهناك مجموعات صغيرة لكنها ان لم يتم تضمينها فى أية عملية سلمية ، ربما تشكل بؤرة لانفجار صراع جديد فى الإقليم الذى لم يعرف الهدوء منذ حلول القرن الجديد.
عباس محمد إبراهيم: الصحافة [/ALIGN]