لي قناعة راسخة بأن تكامل السلطات – وليس تنافرها – هو الذي يؤدي الى استقرار الدولة وسلامة المجتمع..والسلطة الرابعة هي احدى تلك السلطات المناط بها مهمة الرقابة بنزاهة ومسؤولية، بحيث تكون غايتها هي فقط ما يصلح الناس والبلد، وليس ما يخدم حزب أو جماعة أو ذات فانية..ولو تكاملت كل السلطات وتواثقت على ما يصلح الناس والبلد كغاية عظمى، فلن تتنافر حتى ولو تباينت الأراء والرؤى..أي اختلاف زوايا النظر لمجمل قضايا الناس والبلد، يجب ألا تشغل أذهان الناظرين عن الغاية العظمى وهي ( المصالح العامة) ..!!
** وإليكم نموذج تكامل سلطات، أسعدتني نتائجه..ظهر البارحة، أثناء لقاء صحفي مع الدكتور الطيب أبو قناية بصالون الراحل المقيم سيد أحمد خليفة، رحمة الله عليه، تلقيت الرسالة التالية : ( الأخ / الطاهر ساتي..علمت بأنك في مؤتمر صحفي، هلا تكرمت بالإتصال بي لاحقا..أخوك /بحر أبوقردة وزير الصحة الإتحادي)، هكذا جاءت الرسالة عند الثانية ظهرا، فاتصلت به عند الثالثة عصرا، فسألني : ( ياخ شكرا على اتصالك، بالله وصف لي مكاتبكم وين؟، موضوعك بتاع الليلة أزعجني جدا)..فالموضوع الذي نشرته البارحة تحت عنوان (والي الخرطوم ، هل هذا الأمر يهمك؟)، كان عن جهاز قسطرة قلب تم استجلابه في العام 2009، ولم يتم تركيبه واستخدامه حتى مساء البارحة، رغم حاجة الناس والمشافي إليه، بل تم تخزينه بمخازن مستشفى الخرطوم في بيئة سيئة.. وكان ردي على سؤال الوزير بحر : ( شكرا على اهتمامك بالموضوع، لكن أحسن إجيك أنا، ومافي داعي تتعب تجي مكاتبنا)، ولكنه حسم المكالمة باصرار مفاده ( لا لا، مافي تعب ولاحاجة، وصف لي المكتب وأديني مسافة الطريق بس، أنا لسة جوة الخرطوم)، فاستجبت لطلبه ..!!
** استقبلناه بمكاتب الصحيفة، وكانت الساعة تجاوزت الثالثة بدقائق، وبعد الترحاب طالب بوثائق الموضوع، فسلمته الوثائق مع واجب الضيافة وجلست..قرأ الوثائق، وإتصل بالشركة التي استوردت الجهاز وطلب من مديرها بأن يحضر فورا ومعه العقد الموقع مع إدارة مستشفى الصداقة..ثم إتصل بنائب المدير العام لمسشفى الصداقة الصيني، واستغرقت المكالمة ثلث ساعة تقريبا..ثم اتصل بالناطق الرسمي باسم وزارة الصحة بولاية الخرطوم، طالبا منه تبليغ وزير الصحة بالولاية بأن يفتح هاتفه ويستقبل مكالمته..ثم شرع في إعادة قراءة الوثائق، وتدوين بعض الملاحظات في هامشها..أثناء ذلك، جاء مدير الشركة المستوردة، فاستقبلناه وأدخلناه الى حيث يجلس الوزير بحر..واستمع اليه لمدة ساعة إلا ربع قريبا، وسلمه العقد وأوراق أخرى ذات صلة بالجهاز القابع في مخازن مستشفى الخرطوم منذ ثلاث سنوات..بعد ذلك، اتصل بالبروف مأمون حميدة، وزير الصحة بولاية الخرطوم، مستفسرا عن سر تخزين إدارة مستشفى الخرطوم لهذا الجهاز، رغم حاجة الناس اليه .. وكان منفعلا وصارخا في حدثه مع الوزير حميدة، وهنا شعرت بخصوصية المكالمة، وخرجت من المكتب. ثم عدت فوجدته أنهى المكالمة مع الوزير الولائي..!!
** تفاصيل كل تلك المحادثات وما فيها من غضب وتوجيهات صارمة غير مهمة للناس، فالمهم : ما مصير هذا الجهاز؟، والى متى يظل قابعا في تلك البئية غير الجيدة، رغم حاجة المرضى اليه؟..هكذا سألته، وكانت الإجابة : ( شكرا ليك، انت عملت العليك، ونحن عملنا العلينا، وناس الولاية برضو ناقشو موضوع الجهاز دا في إجماعهم الليلة، إن شاء الله خلال 24 ساعة ح تلقى موضوع الجهاز ده إتحل وإتركب عشان يشتغل، 24 ساعة بس )..( الحمد لله، بس دا المطلوب)، أوهكذا تنفست الصعداء ثم شكرته وودعته، وكانت الساعة تجاوزت الخامسة مساء بدقائق..وقبل أن يغادر، سألت مدير الشركة المستوردة عن فريقه الهندسي المتواجد بالبلاد منذ البارحة لتركيب أجهزة قسطر بمستشفى خاص، وعن إمكانية تركيبه لهذا الجهاز بمستشفى الصداقة أو الخرطوم، أجاب : ( لا مافي مشكلة، المهندسين جاهزين، لو السيد الوزير قال لينا ركبوه الليلة دي ما عندها مانع).. وإنتهت الزيارة، وكذلك القضية..إذ كل الحدث : أخطأت سلطة تنفيذية عن آداء واجبها كما يجب، فرصدتها سلطة رقابية وأبصرتها بالخطأ، فراجعت تلك السلطة التنفيذية الخطأ وصححته بكل هدوء وبمنتهى الرقي، و (خلاص)..أي لم تقم القيامة ولم تتفجر البراكين..وعليه، ما الذي يمنع بأن يكون ماحدث نهجاً مألوفاً، بحيث ثماره تنفع الناس والبلد؟..ليس هناك مايمنع، فقط الكل بحاجة الى أن يتشبع بوعي يذكرهم دوما بأن ( كل السلطات سواسية في خدمة الناس والبلد)..!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]