ففي منطقة الكرياب بمحلية شرق النيل التي أوشكت أن تصبح أثراً بعد عين جراء السيول والأمطار، يقول حسان طه إن ما لحق بمنطقة الكرياب ومرابيع الشريف وغيرهما من الأحياء بالعاصمة المثلثة والقرى ببعض الولايات لاسيما ولاية الجزيرة التي تأثرت مناطق عدة بها من السيول والأمطار الغزيرة التي ضربتها، كفيل بحفز الحكومة والجهات الرسمية والشعبية والطوعية إلى أن تعمل وسعها في تفادي وقوع المزيد من الضحايا البشرية والخسائر المادية بمناطق أخرى تشابه التي منيت بخسائر في الأرواح والماديات جراء تهدم المنازل وفقدان المأوى فأضحوا بين عشية وضحاها أعضاء رسميين في عداد المتشردين. وأضاف الحسن إن الحكمة تقتضي الاستفادة وأخذ العبرة مما حدث للمناطق المتأثرة بالسيول والأمطار لئلا يلحق ما حاق بهم من أضرار بمناطق أخرى يمكن بقليل من الجهد الحكومي تفادي وقوعها. وأضاف أن ضعف الإمكانات والافتقار إلى الرؤية السديدة والاستراتيجية القومية أبرز السمات التي تظلل سماء الحكومة وفضاءات منظمات المجتمع المدني التي فضحت محنة السيول والأمطار سوءة الغالبية العظمى منها، فجردتها من رداء التطوع ومرامي الإنسانية وأبدلتها بغطاء تحقيق المنافع الشخصية والمآرب الذاتية. وأضاف طه أن أكثر ما يقلق الجميع كيفية استعادة مأواهم وأوضاعهم الاقتصادية إلى ما كانت عليه، إذ أن الغالبية العظمى من المتضررين من دائمي العضوية في نادي الفقراء والمساكين، ولأجل هذا يقول طه ما لم تقدم الحكومة دعماً سريعاً ومباشراً كالذي وعدت به حكومة ولاية الخرطوم بتوفير الطوب البلك والأسمنت لن يكتب للمتضررين استعادة ما افتقدوه من مبان، وحذَّر من مغبة ضعف الرقابة على الدعومات المقدمة للمتضررين حتى لا تذهب إلى غير مستحقيها، ودعا إلى ضرورة ان تلعب منظمات المجتمع المدني الدور المنوط بها في الكوارث والملمات.
وبحي الكلاكلة القطيعة جنوبي الخرطوم يقول عبد الباقي منصور إن سوء التصريف والافتقار إلى المصارف الجيدة التي تحمل مياه الأمطار إلى الجهة الغربية حيث يجري النيل الأبيض، قاد إلى تكدس المياه بباحات الطرق حتى فاضت ولم تجد بداً من التحامل على جدران أسوار المنازل لدرجة اضطر معها أصحابها إلى إغلاق منافذ وفتحات إخراج المياه من المنازل إلى الشارع خشية حدوث العكس بأن تلج مياه الشارع إلى المنازل، وأضاف منصور أن معظم الشوارع بمنطقة الكلاكلة لاسيما القطيعة وأبو آدم ظلت مغلقة ولا سبيل فيها إلى مرور السيارات إلا عبر الوحل والطين والمياه التي أسنت مع مرور الأيام. وأبان أن ما حدث لم يتم تلافي آثاره والعمل على منع وقوعه، إذ لم ير المواطنون عربة تردم أو مهندسين يعملون وسعهم في تمهيد الطريق أمام المياه لتجري وفقاً لطبوغرافية الأرض المنحدرة من الشرق إلى الغرب حيث يجري النيل. وحذر منصور من مغبة تجاهل الجهات الرسمية لما يحدث لأهل الكلاكلة، ومن أن تتكاسل حتى ينقضي الخريف دون اكتراث لما يورثه لأهل الكلاكلة من ويلات وخسائر يمكن بقليل من الجهد الحكومي تفادي وقوعها وتقليل الفتق على الراتق قبل اتساعه في ظل التحذيرات المتكررة التي يبعث بها القائمون على أمر هيئة الإرصاد الجوي جراء هطول المزيد من الأمطار وجريان السيول، وربما صاحبهما دفق من الفيضان فهل من مجيب؟ وختم عبد الباقي إفادته إلينا بضرورة التدخل الحكومي العاجل لمعالجة تردي صحة البيئة ومد يد العون والمساعدة لمن طال منازلهم الهدم والتصدع، وأن تلعب منظمات المجتمع المدني الدور المنوط بها في الوقوف مع المتضررين حتى لا يكون العمل الطوعي في واجهة الاتهام بالتسيب والسعي لتحقيق المآرب الذاتية عبر «الشو» الإعلامي، وشدد على ضرورة ضبط العمل بمنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية على حد سواء، بغية ضمان وصول الإعانات إلى المعنيين بها بعدالة وشفافية ونزاهة.
أما على صعيد الخبراء فيقول البروفيسور عصام بوب: مازالت تقارير الإرصاد الجوي لا تفتر عن بث المزيد من النشرات الحاوية والمبطنة بكثير من التحذيرات والإشارات لأخذ الحيطة والحذر من القادم من السيول والأمطار والفيضانات المتقدمة، اعتماداً على ما توضحه معاييرهم وأجهزتهم الفنية. وأضاف بوب أن خريف العام الجاري أعاد الحياة لوديان لم تزرها مياه الأمطار لما يربو عن خمسين عاماً حسوماً من بينها وادي الآمور الذي ينحدر من جبال البحر الأحمر ويصب في نهر النيل، وكذا وادي المقدم الذي فاض ولم تتورع مياهه عن التهام المزارع المشيدة في بطن حوض الوادي بواسطة الأجيال الحديثة من الشباب الذين يجهلون كونها من صميم رقعة وادي المقدم، وأضاف بوب قائلاً: ومن شرقي النيل قدمت وديان من مسافات بعيدة تزيد عن «400» كيلومتر، والاحتمالات ما زالت مفتوحة لاستقبال مزيد من السيول والأمطار بحسب ما جرى لسان القائمين على أمر الإرصاد الجوي. ويواصل بوب قائلاً إن أكثر ما يدعو للأسف أن السلطات الرسمية مازالت عاجزة وستظل عاجزة عن تفادي وقوع المزيد من الخسائر ونشوب الأزمات والاكتواء بنيران الكوارث لجهة افتقار الجهات الرسمية أية خطط آنية لتخفيف أثر ما لحق من أضرار أو خطط تعمل على تلافي الخسائر قبل وقوعها في المدى المتوسط والبعيد، مثل العكوف على إعداد دراسات ورؤى فنية وهندسية لإمكانية الاستفادة من مياه السيول والأمطار عبر تجميعها في حفائر أو حجزها بإقامة السدود «حصاد المياه» أو تفادي البناء في أراضي الوديان ومجاري السيول التي تم تحويلها في بعض المناطق إلى خطط سكنية.
ويواصل بوب قائلاً: «يضاف إلى ذلك يفترض أن تتمتع أجهزة الدفاع المدني بامتلاك رؤية واضحة المعالم تؤهلها لمواجهة ودرء الكوارث وتخفيف وقعها والعمل على منعها»، كما أن هذا الهدف لا يتحقق في نظر بوب إلا عبر بسط مقومات ومعينات مادية تعمل على تأهيل الدفاع المدني فنياً وتوقيته بشرياً عبر التأهيل ورفع القدرات في التعامل مع الأزمات، بجانب ضرورة تضافر جهود كل الجهات المعنية وذات الصلة بشأن درء الكوارث ومنع وقوعها عبر تبني خطط ووسائل واضحة المعالم، بيد أنها للأسف يقول بوب غير موضوعة في الحسبان. وبناءً على الواقع الماثل وما هو متوقع يقول بوب إن القادم سيكون أسوأ حال هطول أمطار إضافية أو قدوم سيول أو زيادة معدلات النيل، فعندها ستنضم إلى جيوش المتأثرين أرتال من المتضررين.
وختم بوب إفادته إلينا بأن الهم والفكر بالمناطق المنكوبة بات قوامه كيفية استعادة الأمور بأفضل من ما كانت عليه، قبل أن يوضح أن ثمة معيقات تقف أمام ذلكم الهدف في مقدمتها الظرف الاقتصادي المتردي أو المتواضع الذي تعايشه الغالبية العظمى من المتضررين، علاوة على ضعف مقدرة الحكومة على تقديم العون والمدد للمنكوبين بالقدر الذي يجبر ما لحق بهم من أضرار، يضاف إلى ذلك كم التوجس والخوف من تسرب بعض المعونات والمساعدات إلى غير ما هو مخصص لها من المتضررين في إطار اتساع دائرة الفساد الذي تمدد ولم يكد تسلم من التلوث به جهة أو شخص، حتى أضحى أن الأصل في الأمر الفساد ما لم يثبت العكس.
محمد صديق أحمد:صحيفة الصحافة
[/JUSTIFY]