واشنطن وجوبا.. المساعدات الأمريكيَّة تدمِّر دولة الجنوب

[JUSTIFY]قال المحلل السياسى والصحفي بمجلة النيوزويك الأمريكية كيفن برانو في مقال نشرة على موقع ديلي بيست الأمريكي تحت عنوان «عذرًا السودان .» إن الرأي العام الأمريكي أصبح يتساءل الآن عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المساعدات الأمريكية لمعالجة المناطق المتفجرة البعيدة خاصة بعد فشلها في العراق وأفغانستان وأخيرًا جنوب السودان ويمضي كيفن في مناقشة الدور السلبي الهادم للمساعادات الأمريكية لدولة الجنوب قائلاً على الجدران الامامى لمكتب الرئيس سلفا كير ميارديت فى مبنى وزارة الخارجية علق الرئيس سلفا كير صورة للسيد المسيح واخرى له وبالقرب من مجسم فرس البحر القابع على مكتبه صفّ سلفا كير مجموعة من الكتب احدها نسخة من الكتاب المقدس دراسة تعبدية وكتاب مساعدة الذات للمؤلف روبرت غرين وكتاب 48 قانونًا للسلطة حيث يرأس رجل العصابات السابق فى جيش المتمردين الذى اطلق على نفسه انيانيا والتى تعنى سم الافعى رئيسًا لدولة الجنوب عقب انفصالها عن السودان حيث كان نظامة مدلل المانحين حتى عهد قريب فخلال ادارة بوش تصدت مزيج من قوى مسيحية متشددة واخرى قومية تسعى لاعادة تشكيل توازن القوى السُّودانية للضغط على دوائر صنع القرار الامريكى لدعم الحركة الشعبية وميلاد دولة الجنوب. صنبور المساعدات يمضى كيفن قائلاً حتى فى عهد الواقعية الامريكية والذى تمثله ادارة الرئيس اوباما سكبت الولايات المتحدة الامريكية اكثر من «300» مليون دولار سنويًا فى جنوب السودان كجزء من دعم قوى لحكومة الرئيس سلفا كير وبالرغم من صنبور المساعدات المفتوح فإن ادارة كير ما زالت فى مأزق خطير فى وقت يرى فية المحللون السياسيون الحرب الاهلية التى التهمت السودانيين لفترة تزيد عن الـ«22» عامًا يمكن ان تندلع مرة اخرى كما يشك المستشارون الامريكيون فى نجاح جهود حكومة الولايات المتحدة الامريكية فى بناء المؤسسات ففى آخر مقابلة اعلامية اجريت معه «بدا الرئيس كير منهكًا ومريضًا تتساقط حبات العرق عن جبينه الذى يمسحه بمنديل كبير حيث يقول انه خضع لاختبار لمرض الملاريا الا ان النتيجة جاءت سلبية» بدا قلقًا تجاه الدور الذى يمكن ان تلعبه الولايات المتحدة الامريكية فى ظل الازمات الداخلية وفقدان الاهتمام حيث قال كير وهو يرحب بمراسل الصحيفة لقد اعتقدت دائمًا ان امريكا يمكنها ان تفعل كل شيء لكن فى حالتنا لم يحدث ذلك يبدو ان لديهم الكثير من الالتزامات الأخرى الآن».
الفشل الامريكى ويشكل جنوب السودان اختبارًا حاسمًا لقدرة امريكا على اصلاح بؤر التوتر البعيدة خاصة بعد تحذيرات الخبراء الغربيين لها بأن دولة الجنوب غير مستعدة للانفصال بشكل مخيف حيث اصبحت السياسة الخارجية الامريكية فى حاجة ماسة الى الاصلاح خاصة بعد فشلها فى افغانستان والعراق حيث يمكن ان تختفى ترليونات الدولارات الامريكية دون وجود مسوغات مقنعة اذ اثبتت الدراسات الحديثة ان مساعدات التنمية الافريقية لم تحرز نجاحًا فى تحفيز النمو بل انها فى كثير من الحالات اضرت اكثر مما افادت غير ان جهود بناء السودان الحديث مشروع قديم ورثه الرئيس اوباما عن سلفه الرئيس بوش الذى يكن التزامًا عميقًا لإفريقيا حيث ساهمت ادارة بوش فى صياغة اتفاق السلام الشامل الذى انهى الحرب وافضى للانفصال وضخت امريكا فى ذلك الوقت «6» مليارات دولار من اموال المانحين حيث دولة الجنوب اكبر المستفيدين بعد افغانستان وباكستان، لقد دأب المراسلون الاجانب على المزاح بشأن دولة الجنوب قائلين ليس هناك شيء مصنوع من الحديد سوى الاسلحة والذخائر ففى نهاية الحرب الأهلية لم يكن هناك سوى ثلاثة اميال من الطرق المعبدة فى بلد يبلغ مساحة فرنسا تقريبًا.
منهاتن إفريقيا ويقول كيفن إن جوبا حاضرة الجنوب اصبحت المدينة المثالية للامريكيين حيث يبلغ تكلفة ايجار المنزل الذى هو عادة عبارة عن كوخ مبني بالقش او الصفيح 12 الف دولار فى الشهر وهو بحسب مسؤول دبلوماسى فضل حجب هويته نسب المبلغ للايجار فى مدينة منهاتن الامريكية كما يبلغ ايجار الغرفة فى احد الفنادق القذرة «800» دولار وهو ذات المبلغ الذى تحتاج إليه للاقامة بفنادق ريجنز الأمريكية.
لقد احرزت اموال المانحين بعض التقدم حيث انشئت بعض الطرق والوزارات والمدارس الا انه وبعد كل تلك الجهود تشير جميع الادلة الى ان دولة الجنوب لن تنجح فى الاستمرار معتمدة على نفسها حيث اثبت تقرير بتكليف من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية ان جهود بناء القدرات ليست استراتيجية كما ان اهداف الدولة غير محددة وبعيدة عن الاداء الفعلى وبالتالى من المستحيل ان تقاس او تنجح. إدارة فاشلة ويرمى الامريكيون باللوم على حكومة دولة الجنوب والتى تصفها بغير الكفؤة وان اموال المساعدات فشلت فى تشكيل حكومة مختصة حيث ان الواقع يقول ان معظم موظفى الخدمة المدينة لم يحصلوا على التعليم الكافى كما ان اكثر من نصف قوات الامن اميون، ويقول مسؤول غربى دبلوماسى فضل حجب هويته إن معظم المتعلمين الجنوبيين يفضلون العيش فى الخارج ويتردون فى العودة حيث اعلن البنك الدولى ان هناك مليون دولار منحت لدولة الجنوب من قبل الصندوق الاستئمانى مطلع هذا العام لم يصرف نصفها بسبب محدودية قدرة الحكومة على استيعاب الاموال على نحو فعال.
ويرى عمال الاغاثة والدبلوماسيون ان جهود بناء الدولة الناجحة فى الجنوب يتطلب بجانب المال مجموعة متنوعة من المهارات، ويشكو مسؤولو المساعدات الانسانية فى جوبا من ان المشروع ركز فى الفترة الاولى على التعافى واستعادة الخدمات الاجتماعية الاساسية بينما كان الاهتمام محدودًا ببناء المؤسسات، ويقول احد المسؤولين فى جوبا لقد تم استخدام الاشخاص غير المناسبين خلال الخمسة اعوام الاولى، كان يجب علينا احضار البريطانيين القدامى الذين اسسوا البنك المركزى فى بوتسوانا الا ان معظم هؤلاء الرجال والذين لهم الخبرة والدارية ببناء هياكل الدولة هم سكارى على شواطئ زنجبار الامر الذى اجبرنا على الاستعانة بالخريجين الجدد من جامعة اكسفورد. من يبني دولة الجنوب ويتساءل الكاتب حول من عليه مسؤولية بناء الدولة الجديدة قائلاً ليبرز السؤال الاهم: هل يجب ان تلقى مسؤولية بناء دولة الجنوب على عاتق قدامى المحاربين المستعمرين المخمورين؟ ولماذا تصر الدول المانحة على الاستمرار بعد ان اثبتت الحقائق ان ضررها اكثر من نفعها؟ ويمضي الكاتب قائلاً: ويجيب عن هذه الاسئلة الخبير الاقتصادى بجامعة نيويورك ومؤلف كتاب عبء الرجل الابيض ويليام ايستيرلى قائلاً ان اغراق بلد مثل دولة الجنوب بأموال المساعادات سيكون امرًا مضرًا للحد البعيد فانت تغرق البلاد بالاموال حيث لا يوجد احد كفء فى مركز القيادة نعم انت تريد المساعدة وهذا امر عظيم لكنك لا تملك القدرة المستقبلية على مراقبة هذه الاموال فعندما اغرقت جوبا باموال المساعدات حيث عدد النخب المتعلمة محدود اتجهت هذه النخب لإنشاء منظمات غير حكومية خاصة من اجل الاستفادة مباشرة من خط انابيب المساعدات بدلاً من العمل فى الدوائر الحكومية. تشويه الاقتصاد ويقول رجال الاعمال فى جوبا ان اموال المساعدات تشوه الاقتصاد المحلى ويقول ايان اليفى العضو المنتدب لشركة البيرة الدولية والتى استثمرت 50 مليون دولار فى مصنع للخمور بدولة الجنوب ان وكالات الاغاثة قد رفعت تكاليف العمالة فأنا أنفق فى جوبا اموالاً اكثر من التى انفقها عندما اقيم فى شيكاغو وعليه فان اموال المساعدات قد تخفف الازمة على المدى القصير الا ان لها آثارًا سيئة على الاقتصاد على المدى الطويل حيث انك تنفق اموال الآخرين دون مساءلة.
كما ان تدفق اموال المساعدات يمكن ان يكون حافزًا لتجدد العنف كما هو الحال مع النفط حيث تأتى معظم ايرادات الدولة الامر الذى يزيد من التنافس في السيطرة على الدولة ومواردها، وعليه فاذا كان ينظر لاموال المساعدات على انها جائزة للفصائل السودانية المتمردة فان ذلك فى حد ذاته سيزيد من احتمال نشوب الصراع فى السودان الام وفى دولة الجنوب حيث يحتاج الجيش الى عشرات السنوات فضلاً عن الاموال ليتم تحديثه وتدريبه لتحويله من مليشا حرب عصابات الى جيش قومى منظم حيث يصفه المسؤول الغربى بانة اكثر الجيوش فوضوية حيث يتكون من رجال عصابات يفتقدون الرؤية والهدف يقوده جنرالات عديمو الفائدة والايدلوجية. قلعة الرمال ويقول بريدنتس غاست الناشط فى مجال حقوق الانسان ورئيس جمعية «كفى» ما الفائدة من جهود بناء الدولة والقدرات اذا كانوا سيعودون الى الحرب مرة اخرى فأنت تبنى قلعة على الرمال تهاجمها موجة ضخمة واضاف قائلاً انه يشجع جهود اوباما الدبلوماسية الا انها لن تاتى بفائدة اذا لم تضع عقوبات صارمة على من يخرق اتفاقية السلام.
التزام أخلاقي ويختتم الكاتب مقاله قائلاً ومهما حدث فلن تتخلى الولايات المتحدة الامريكية عن دولة الجنوب كونه التزامًا اخلاقيًا تحرص واشنطن على اظهار تمسكها به فى عيون العالم كونه ركنًا ركينًا فى السياسة الخارجية الامريكية فضلاً عن مصالحها الوطنية ودائمًا ما تميل واشنطن الى الخلط بين الاخلاقية الدينية البراغماتية الباردة كما يفعل سلفا كير وهو يضع صورة اليسوع امام صورته ليحدق فيهما ويستقرئ العبر من على جدار نعم سيحاول الامريكيون دائمًا شفاء البؤر البعيدة مثل دولة الجنوب الا انهم اذا ارادوا ان يكونوا فاعلين فان عليهم علاج انفسهم اولاً.[/JUSTIFY]

صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version