فالسيد نصر الدين المهدي حرق وراءه مراكب حزبه، واضطر إبن عمه السيد الصادق المهدي لفصله من الحزب بعدما أصبح (جزء من الثورية) وعلى ذات الشاكلة فإن الرجل لم يجد صدراً حانياً لدى ابن عمه الأكثر تعاسة الآن، مبارك الفاضل المهدي، وفى الوقت نفسه خسر نصر الدين كلٌ من عقار والحلو وعرمان وبقية الرفاق عقب انتقاده لما جرى فى أبو كرشولا.
وموقف الرجل بهذه الشاكلة يثير العجب، فإذا كان نصر الدين قد ارتضى بمحض إرادته الدخول فى تحالف الثورية (برأس ماله السياسي الخاص) مشترياً أسهماً خاسرة وإرتضى العمل المسلح الذى تقوم به الثورية؛ كيف إذن كان يتوقع أن تعمل الثورية؟ وما الذى كان ينتظره من الحلو وعقار وعرمان غير القتل والسحل وإبادة كل ما يجدونه أمامهم؟
لقد كان من المعروف حتى لمن ليس له كثير إدراك بالعمل السياسي أن الثورية لا تسعى فقط لإزالة النظام الحاكم فى الخرطوم؛ مشروعها المخطط له يستهدف التخلص من (كل ماضي السودان السياسي) ويتمثل جزء منه في ما يطلق عليه قادة الثورية، الأحزاب الرجعية والذي يقصدون بها الأحزاب التى تدين بالدين وتعتمد على الطائفة وتنطق بالعربية وهويتها المعلنة إسلامية.
من العسير أن يتخيل عاقل أن حركات مسلحة من الهامش تدعي التهميش وتبحث عن السلطة ولديها جيوش خاصة، تبارك وجود تيار إسلامي سوداني عربي جنباً الى جنب معها! لو أن الأمر كذلك لعادت الى الخرطوم عبر التفاوض وولجت الساحة السياسية السودانية.
إن من البديهيات المعروفة عن مكونات الثورية أنها ترفض وبشدة التفاوض مع الخرطوم لأنها (تريد الكيكة كاملة) ولو كلفها ذلك حرق السودان كله، وهي تسعى لتغيير الهوية السودانية بأي ثمن لتصبح على غرار الهوية الجنوبية وهو ما يعرف بمشروع السودان الجديد.
من المؤسف أن يجهل نصر الدين مثل هذه الحقيقة المجردة وينتظر من رفاقه فى الثورية أن يفرقوا بين منسوبي الوطني وبقية قيادات الأحزاب الأخرى، ومن المؤسف أن الرجل لم يعي ولم يفهم لماذا استهدفت الثورية المعاقل المعروفة تاريخياً لحزب الأمة فى كردفان؟
إن انتفاضة نصر الدين المتأخرة هي بمثابة درس بليغ للغاية لكل من يركب موجة لا يعرف الى أين تمضي به، فحتى فى البحر فإن راكبي الأمواج المتلاطمة يحرصون على تحديد وجهتهم بالبوصلة ويحرصون على رؤية أقرب ساحل أو شاطئ للرسو فيه، ولكن نصر الدين المهدي لم يفعل وهاهو يحاول أن يفعل ولكن دون جدوى، وبعد فوات الأوان تماماً![/JUSTIFY]
سودان سفاري