والراجح أن أزمة المعارضة ليست فقط أزمة توافق داخلي ورؤى وبرامج غائبة وتنافر فطري فيما بينها، ولكنها أزمة مصداقية وعجز منحت خلاله أكثر من عقدين من الزمان وليس فقط (100) يوم، ولكن كل الزمن المحدد انقضى وقوى المعارضة فى حالها إلا من (المنح) و(الهدايا) الغالية، باهظة الثمن.
وكما رأينا كيف (خجلت) المعارضة من نفسها وهي عاجزة عن إدانة ما جرى فى الشقيقة مصر من انقلاب على الديمقراطية ولم تتفوه بموقف مبدئي صادح وعالي النبرات، فإننا نعايش أيضاً كساحاً وقعوداً عن الاستعدادات للانتخابات المقبلة ولئن وصف المسئول السياسي (غير الموفق) فى حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر التقاء الشعبي بالوطني بأنها (أحلام ظلوط) فى إشارة لاستحالتها؛ فإن ذات هذه الأحلام بوصفها هذا تنطبق على قوى التحالف فى سعيها لإسقاط النظام، ولعل الأمر المستغرب حقاً أن تحالف المعارضة يعلم علم اليقين أن الوطني ليس هو الوحيد الحاكم الآن إذ يوجد بجانبه أكثر من 14 حزباً سياسياً، ومع ذلك يكرس التحالف كل وقته لمهاجمة الوطني والسعي لإسقاطه.
فالإتحادي الأصل وعدد من الأحزاب الاتحادية وأحزاب الأمة هي الآن شريكة فى إدارة الدولة وتعمل فى تناغم تام وانسجام مع الوطني ولم يحدث قط أن اشتكى حزب من هذه الأحزاب من تهميش أو تقليص للدور أو بخس للعطاء وقد انقضت أكثر من ثلاثة سنوات حتى الآن على ذلك وما يزال العطاء مستمراً، فيا ترى لِمَ تتجاهل قوى المعارضة هذه الأحزاب التى كانت وإلى عهد قريب تجلس فى مقاعد المعارضة؟
من المؤكد أن قوى المعارضة لو كانت قوية راسخة ولديها هدف وبرنامج جاد ومؤثر لما فارقها من فارقها من الأحزاب، إذ أن حزباً مثل الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني شديد الأهمية وثقيل الوزن تحتاجه قوى التحالف؛ فلماذا تركها وفضل المشاركة فى إدارة الدولة؟
حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي رأينا كيف شرع فى القيام بأنشطته الخاصة بعيداً عن التحالف.. لماذا لم يَرُق التحالف للأمة القومي وهو حزب له وزنه وثقله السياسي؟ الشعبي نفسه، بكل ما يمثله من خميرة عكننة فى الساحة السياسية السودانية، لماذا عاد وبدأ يقترب أو يتقرّب الى الوطني رغم أنف كمال عمر مسئوله السياسي الذى أوردهم موارد الهلاك لسنوات وما يزال؟
إن برنامج الـ100 يوم الذى تحدث عنه تحالف المعارضة فى الواقع ليس سوى برنامج الاقتراب والاقتران بالسلطة الحاكمة، هذا هو التفسير المنطقي الوحيد، فقد تفرقت السبل بالقوى المعارضة وأصبح كل حزب بما لديه فَرِح وصارت المصلحة الحزبية الخاصة لكل واحد منهم هي الأهم وهي الأعلى، وهذا أمر طبيعي فى سوق السياسة قلنا ورددنا ذلك أكثر من مرة وقلنا إن التحالف يحمل بذور فنائه بداخليه وأنه لا مستقبل له وزاد طينه بلاً تحالفه مع الثورية وأصبحت مراهناته على بندقيتها.
لقد انقضت مائة يوم ومائة أخرى والتحالف يتحالف مع الوطني، فلربما كان ذلك هو التغيير المنشود والإسقاط المرجوّ!
سودان سفاري
تحليل سياسي