المهدي : قيادي يأكل من عرق لسانه، استطاع أن يشق الحزب لأكثر من أربعة اتجاهات
( ما بقدر أقول أنا ما داير أصرح يمكن قولي يروح يمكن قولي يجرح يمكن شي يفوح والناس ما بتريح ) ، بعد الذي استمعت له من هراء وإسفاف منسوب لسيدي الأمام الصادق المهدي الذي أخيراً وجد الفرصة المواتية لكي يتذكره الناس علي أنه لا زال حياً يرزق مثله مثل طيب الذكر شارع الإذاعة السودانية التي للأسف الشديد لم تراعي حقوق الجيرة وتوثق لسيدي الأمام مسيرته السياسية الظافرة التي بدائها بشوارع( الشانزليزي ) بباريس أبان شقاوة الصبا ومتعة الدراسة الجامعية( بالسربون ) مروراً بحدوتة أصغر وزير في العالم ثم بالديمقراطية الأخيرة حيث فرط في مكتسبات الأمة فأنقلب عليه العسكر فحلق لحيته مخافة أن يزج به في السجن ، ونهاية بالخطبة العصماء التي ألقاها في حفل زواج المادحة فيحاء ، فالرجل كان سيثري مكتبة الإذاعة بالتناقضات وقصص الهزيمة بصورة لا يمكن بعدها للإذاعة أن تحتار في الغث الذي يستطيع أن يشغل لها المساحات البرامجية الفارغة ، فهو سيشبع المستمع العبارات الفضفاضة والتخينة التي تليق بمخاطبة الأدباء في الجلسات الشاعرية علي رمال الجنادرية وسيفقع بمصطلح هلمجرا مرارة البسطاء ، وسيغصب الفقراء الذين عزائهم في الاستماع لصوت الإذاعة الأجش أن يهجروها ويستعيضوا عن عادة الاستماع لها بتدخين ( الشيشة ) علي الأقل أخف المخدرات التي تستطيع أن تخرج المرء عن طور العقل فيتعايش مع حقيقة أن سيدي الأمام أصيب بداء الخرف مبكرا وصار لا يميز بين ما هو محفل سياسي وما بين في ظاهره التئام اجتماعي لا يزيغ عن فحواه إلا جاهل ، فسوء الحال الصحي الذي وصل أليه حفيد مهدي الله المنتظر مسألة مزعجة وحقيقة تقلق كل وطني غيور تنبي بأنه سيفقد عقله بعد خراب مالطة ، لقد فقد عقله قبل خراب الإذاعة التي ستوثق له ، ولو كان من مجاملة عابرة يجب علي المرء أن يقولها في حق الأمام قبل أن يكون نسيا منسيا ، أكيد لن يجد أعمق من عبارة ، كان قائدا مثبطا لهمم الشعب وملهم يتعلم منه الجميع أسس الفشل ، كان يهتم بجيبه أكثر من اهتمامه بجيوب عضوية الحزب ، استطاع في فترة وجيزة أن يشق صف الحزب لأكثر من أربعة اتجاهات تضمر العداء لبعضها البعض ، فهو لم يستطيع أن يحافظ علي وحدة حزبه ، وبالتالي غبي كبير من يعول عليه كمعارض يستطيع أن يحدث الاختراق المأمول علي جدار النظام القائم ! لذلك عادي وأشد من طبيعي أن يمارس مولانا هواية الخطابة علي مسارح الزواج وبين بيوت الطهور وعلي مكب القاذورات وساعة دفن الموتى ليذكر المشيعين أنه لا زال أمام ملء السمع والبصر ، فقد ذكر لي أحد مرافقيه لعقد قران المادحة فيحاء أن سيدنا الأمام منذ استلامه لرقعة الدعوة نفض الغبار من علي سطح الكتب الخجولة علي مكتبته وانكب كالمكتشفين العظماء ينقب عن العبارات والجمل المدهشة التي تقال في مثل هذه المناسبات ، وعلي مدار ثلاث أيام بلياليها كما يقول محدثي أنقطع عنا ، ما عدنا نراه إلا لماما ، وفي صباح تلبية الدعوة رأيناه ينادي مستشاره الإعلامي ، وبرهة دخلا معا ألي المكتب بالمنزل ، وبعد فترة كتمنا فيها الأنفاس ، زفة ساعة الحقيقة ، فتحركنا مع الوفد وكنت الحظ أمامنا مضطرب وعصبي المزاج لكانما ما عاد السيد الأمام القديم الذي نعرفه كمعرفتنا لمصادر تمويل الحزب ، وكان بين كل لحظة وأخري ينظر نحو الساوند والمايكرفون ببيت المناسبة ، فطفح به الوضع فقام قيامة لم أري في حياتي أحد من المسئولين قام مثلها ، فخطف المايكرفون من يد الفني الذي تفاجأ بوقوف مولانا بجلالة قدره ، وبدون مقدمات دخل في تفاصيل خطابه الذي لا مبرر منه ولا يعطي الحضور قيمة التفاعل المطلوب فالكل كان ينظر نحوه علي أنه ( متخنه حبتين ) ومسكين كان صاحب ماضي سياسي جدير بالتأفف .
معتصم يعقوب الأنصاري