هل انقلبت واشنطن على جوبا ؟

[JUSTIFY]ولم لا؟ ففي السياسة فإن القاعدة الذهبية تقول إن هنالك مصالح دائمة فقط وليست هنالك صداقات أو عداءات دائمة! ولعل ما ظلت ترنو إليه أعين صناع القرار الأمريكي فى واشنطن طوال شهر يوليو الماضي والرئيس الجنوبي يمزق نسيج حكومته أرباً غرباً خير دليل على أن واشنطن منقلبة لا محالة طال الزمن أو قصر على حلفائها فى جوبا.

الأمر لا يثير الاستغراب فالنماذج التى تخلت فيها واشنطن عن أنظمة سياسية عديدة لا تحصى ولا تعد إذ يكفي تخلِّي واشنطن عن الرئيس نميري أو تخلصها منه وذات الأمر فعلته مع القافي والعديد من الرؤساء الأفارقة ودول أمريكا اللاتينية بصرف النظر عن المبررات والمسببات، فباستثناء إسرائيل فإن واشنطن ليس لديها حلفاء حقيقيين ولذلك فلا بأس من أن ننقب فى الأسباب التى من الممكن أن تدفع واشنطن للتخلي عن جوبا.

وهنا نعني تخليها عن الحركة الشعبية أو بعض قادتها ولا نعني تخليها عن دولة الجنوب بطيعة الحال. أولاً: واشنطن بدأت تكتشف أن ما يفرِّق بين قادة الحركة الشعبية أكثر وأكبر مما يجمع بينهم، فالرئيس الجنوبي -بصرف النظر عن أسبابه- أقال حكومة كاملة لم يستثن منها نائبه ولم يراع الموازنات الجهوية ولم يكترث عما إذا كان لما فعله تداعيات خطيرة، هذا معناه أن الرئيس الجنوبي وباعتباره ينحدر من قبيلة الدينكا يستند فى خاتمة المطاف الى قبيلته، ولا يضع اعتباراً البتة لمطلوبات العمل التنظيمي والحركة الشعبية، وهذا يعني بالضرورة أن من الممكن أن يقوم الرئيس بإقالة من يشاء (بمزاجه الخاص) فى أية لحظة، وهو على استعداد لشن الحرب على رفاقه، أو تركهم يشنون الحرب عليه.

باختصار واشنطن زادت مخاوفها من (برميل البارود الجنوبي) بحيث تجد نفسها تقف قبالة البرميل المتفجر ومصالحها قابلة للانفجار .
ثانياً: لم تخف واشنطن امتعاضها من التصرفات الخرقاء للقادة الجنوبيين سواء فى دعمهم الصريح للناشطين بالسلاح ضد الخرطوم بما يصعب الدفاع عنه أو وقفها تصدير النفط الجنوبي كبادرة خاطئة جعلت الخرطوم تنزع من يد جوبا هذا السلاح الاقتصادي أو حتى فى انطوائية جوبا وعدم انفتاحها على جيرانها.

فى الغالب تفضِّل واشنطن الحليف الذكي بما يكفي لرعاية مصالحها، وليس الغبي بما يزيد عن المحافظة على هذه المصالح وتعريضها للخطر. ومن المهم هنا أن نشير الى أن واشنطن رغم كل كيدها السياسي ونفورها من النظام الحاكم في الخرطوم إلا أنها حتى الآن تعتبره الخيار الأفضل فى تعاملها معه عن بقية القوى السودانية الأخرى المعارضة. لابد لمن يتعامل مع واشنطن أن يتمتع بمزايا، وهذه المزايا لسوء الحظ ليست موجودة فى جوبا.

ثالثاُ: أكثر ما يرعب واشنطن ويثير بالغ قلقها الجيش الشعبي، فهو ليس بالجيش القوى المهاب سواء لكونه غير محترف ولم يتلق تدريباً نظامياً أو لتكوينه القبلي الموغل فى القبيلة، فالجيش الشعبي -بحسب دراسة أمريكية سرية- شعاب وقبائل وهو فى الواقع بمثابة جيوش عديدة تكونت فى ظل حرب العصابات الماضية ولم تستطع قيادته أن تعيد تنظيمه.

صحيح تلقى بعض ضباطه تدريبات متفاوتة فى كوبا، وفى إسرائيل وواشنطن ولكنها تدريبات بالنسبة لمجمل الجيش الشعبي مثل ملعقة صغيرة من الملح أذيبت في نهر هادر.

وكهذا، فإن واشنطن ليس من المستبعد أن تضع جوبا جانباً فى الفترة العصيبة المقبلة، ولا نغالي إن قلنا إن واشنطن ربما رتبت أمرها لكي تدع دولة الجنوب تدخل فى ساحة فوضى عارمة لسنوات قبل أن تعود من جديد للبحث عن مصالحها هناك. ولا تستطيع واشنطن الإقرار علناً -بعد فوات الأوان تماماً- أنها أخطأت حين شجعت على فصل الجنوب السوداني!

سودان سفاري

[/JUSTIFY]
Exit mobile version