{ لم أتوقع أن تقدم السلطة (الانقلابية) في “مصر” على قرار الإفراج عن الرئيس السابق “حسني مبارك” في هذا الوقت بالذات!
{ ما يجري في “مصر” منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب “محمد مرسي” في الثالث من يوليو الماضي، يؤكد أن (أم الدنيا) لم تعد كذلك، ولو لفترة مؤقتة!
{ فحالة الارتباك السياسي الغريبة تكشف عن فراغ كبير في موقع التفكير والتنظير السياسي للسلطة الحاكمة – الآن – في “مصر”. لقد كان للرئيس “مبارك” وحزبه المحلول (الوطني الديمقراطي) مستشارون كبار.. مفكرون ، ومثقفون وعلماء. وظل الدكتور “أسامة الباز” مديراً لمكتب الرئيس لسنوات طويلة ثم مستشاراً له. كما أن مجموعة (الحرس القديم) في الحزب من “صفوت الشريف” و”فتحي سرور” وإلى “يوسف والي” وغيرهم، كانوا يديرون الدولة بحكمة وتؤدة صنعتهما الخبرة المترامة في العمل السياسي لعقود طويلة.
{ دهاء وفطنة (الحرس القديم) في الحزب (الوطني) جعله يفتح المجال واسعاً للإخوان المسلمين لدخول البرلمان (مجلس الشعب) عبر لافتة (مستقلين)، فنال (الإخوان) (88) نائباً من مجموع (415) في المجلس الذي يرأسه الدكتور “أحمد فتحي سرور” في العام 1999.
{ وعندما آلت مقاليد الأمور في الحزب (الوطني) لنجل الرئيس “جمال مبارك”، الذي كان يشغل منصب أمين السياسات.. جاء بمجموعته من رجال (البزنس والسياسة) وعلى رأسهم الوزير “أحمد عز” إمبراطور تجارة (الحديد) في “مصر”.. أغلقوا كل الأبواب في وجوه (الإخوان)، ومنعوهم من دخول (مجلس الشعب) في آخر انتخابات (مضروبة) قبيل ثورة (25 يناير). سقط نظام “مبارك” سقوطاً مدوياً بفعل (سياسات) أمين السياسات “جمال مبارك” وأصدقائه من (التجار) الشباب (تعلمجية السياسة)!!
{ الآن.. يبدو أنه لا يوجد عقل سياسي يدير السلطة الانقلابية في “مصر”، وصار الصحفي الشاب “أحمد المسلماني”، أحد أبناء نظام “مبارك” المدللين، مستشاراً إعلامياً للرئيس (المؤقت) “عدلي منصور”، بل وأحد (المنظرين) السياسيين للحكم المضطرب في قاهرة المعز..! وفرق شاسع جداً بين “أسامة الباز”، و”فتحي سرور” و”يوسف والي”، والشاب (الفرحان) “أحمد المسلماني” الذي كان إلى وقت قريب يقدم برنامجاً تلفزيونياً (خطابياً) باسم (رئيس التحرير) في قناة (دريم)!
{ لو كان هناك من يفكر للانقلابيين في “مصر” لنصحهم بتأجيل إطلاق سراح “حسني مبارك”، ولو لشهرين فقط.. فقد ظل محتجزا لأكثر من (عامين)، لأن قادة (الانقلاب) متهمون أصلاً بأنهم (فلول)، وأتباع، بل امتداد للنظام السابق الذي أطاحت به (الثورة).. فكيف يخرج “مبارك” بعد أيام من (إبادة) الآلاف من جماعة (الإخوان) وعامة الشعب بالرصاص الحي، وعلى الهواء مباشرة؟!
– 2 –
{ البعض من (الانكفائيين) أو المتآمرين على الدين والديمقراطية في المنطقة العربية، يريدوننا أن تنكفئ على أنفسنا في السودان، ونندب حظنا، ونبكي على دارفور (المحروقة) بأيدي أبنائها وزعماء قبائلها، ومتمرديها.. لا بدبابات وسلاح (الحكومة) كما يحدث في “مصر”.
{ من قتل المئات من (الرزيقات) و(المعاليا)، و(البني هلبة) و(القمر)، و(البني حسين)، و(المسيرية) و(السلامات) وغيرهم؟! هل ماتوا برصاص الجيش السوداني والأمن والشرطة؟! لقد ماتوا برصاص القبائل، أو سلاح (الحركات).. بينما الحكومة غائبة.. للأسف!!
{ المواطن السوداني (العادي)، بثقافته الموسوعية العالية، يتفاعل وينفعل مع كل الأحداث العالمية من حوله.. من (نيكاراجوا) إلى (باكستان)، فكيف لا يصبح ما يحدث في “مصر” همه اليومي، وشغله الشاغل، ومصر بلده الثاني، محطة علاجه وساحة رحلاته وعشقه القديم قدم الحضارتين (النوبية) و(الفرعونية).
{ سنهتم بـ”مصر” لأن المواطن والقارئ السوداني يريد ذلك، ولأننا منفتحون على الآخر أينما كان، في الداخل أو الخارج.
{ لقد ظلت الصحافة السودانية تكتب عن (دارفور) عشر سنوات طويلة، فلماذا نحبس أقلامنا وأنفسنا في دائرة ضيقة وأزمة مفتعلة، بينما (نداء الإنسانية) ينادينا من كل مكان؟!!
جمعة مباركة.
صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY]