تختلف أراء الكثيرين حول طبيعة الأنشطة الفلسطينية وجديتها في التعامل الصادق مع واقع الاحتلال ، فبينما يري البعض أنها تجتهد بالطريقة المثلي في النضال ضد الوجود الصهيوني الذي يحتل الأرض ، يري آخرون أن كل التشكيلات والتنظيمات الفلسطينية المقاتلة والسياسية جميعها تحصيل حاصل وازرع ممتدة من أزرع اليهودية الطويلة التي تعمل من أجل التكريس للاحتلال وتسعي لفرض سياسة الأمر الواقع ليعتقد الكل أن إسرائيل قدر لا فكاك منه وابتلاء لا تصمد ضده مستوجبات المقاومة أو أسلحة الدعاء ، وبدوري لست مجبور علي لعب دور الرمانة التي تساعد علي ترجيح واحدة من كفتي الميزان علي حساب الأخرى ، لكن علي ضوء الاطلاع المحايد الذي يتوفر بالقليل من الحصافة ، أجد زفة من الأصوات الثائرة تصرخ في باطن عقلي لتبصرني بحقيقة أن المعطيات العامة تؤشر لحقيقة أن الفلسطينيون علي كافة ألوان الطيف السياسي والعسكري والاجتماعي جميعهم لم يقوموا بما يكفي من عمل نضالي يحقق الضربات الموجعة لخاصرة الاحتلال ، ولم يقدموا المفيد من الجمل الثورية الميدانية التي تؤرق مضجع اليهود ، فهم متكاسلون منذ فجر سقوط القدس وزاهدون عن القيام بإدارة معارك بطولية حاسمة تعطي الفكرة الإيجابية عن نضوج اهتمامهم بالقضية ، مما يستدعي علي طرح الأسئلة المحيرة من شاكلة ، لماذا لا تحرض القيادات الفلسطينية التقليدية عضويتها للدخول في معارك ميدانية صريحة مع الاحتلال ؟ هل تغشي علي مقاتليها من القتل أم علي نفسها من قدر اليهود ؟ ولماذا لا تستفيد من التداخل واللغط المفتعل بجغرافية المنطقة وتستغل التوترات علي الأراضي السورية فتنشئ محور ميداني يتزامن مع محورين من الضفة الغربية وقطاع غزة فيشتتوا تركيز اليهود ويحققوا المكاسب المشروعة التي تحسن لهم الغاية من طرد اليهود ؟ هل القيام بمثل هذه التضحيات مجرد تهور لا مبرر له منه وتجشم يتسق وشكل الانتحار ؟ أم من الضرورة أولاً أخز الأذن من المجتمع الدولي المتمثل في أمريكا للقيام بمثل هذه المجازفات ؟ .. فالحق والحق أقول أن القيادات الفلسطينية لا تحرض عضويتها علي منازلة اليهود ليس خشية من قتل اليهود للمجاهدين ، لكن من باب تحسسها لرؤوسها اليانعة ، فاليهود وفق اعتقادات العمالة مثل الشياطين والجنون يستطيعوا أن يتسللوا كالنسمة الصباحية الفاتنة علي مخادع الفلسطينيين في القارات البعيدة ليقتصوا منهم فقد قتلوا بدم بارد ناجي العلي في لندن وصفوا بكل وحشية يهودية أبو أياد في تونس ، وخنقوا المبحوح حتى الموت في دبي وقاموا بالكثير من المهام الناجحة ضد الرموز الفلسطينية ، لهذا تعد مسألة التفكير في تحريض العضوية علي القتال ضدهم ضرب من ضروب الجنون وانتحار مع سبق الأرصاد والترصد ! أما بخصوص لماذا لا يستفيد الفلسطينيون من الجغرافية الجديدة للمنطقة التي صاغت حدودها أعاصير الربيع العربي ، فالجواب إذا عرف السبب بطل العجب ، فالفلسطينيون هذه الأيام غارقون حتى أخمص قدميهم علي أقناع العالم بأن الجدية تعوزهم وتنقصهم إرادة الأفكار الصائبة التي تعينهم علي مواجهة الاحتلال الصهيوني فهم منشغلون بقصة الطفلة بشائر عثمان (15) عاما التي تتولي منصب وزير الحكم المحلي !! فالشعب الفلسطيني يبدو أنه أصيب بلوثة التكلس ووصل الحضيض فيما يختص بواجب تعايشه مع الاحتلال فتفرغ ليمارس هواية الضحك علي نفسه ! ففي الوقت الذي يموج فيه العالم بالتغيرات السياسية نحو الأحسن وتنبت الأرض العربية بألوف الثوار الباحثين عن الغد الأفضل ، فإن الجعبة الفلسطينية تحاول التعويل علي عقلية الصغار في الخروج عن محنة الاحتلال وتحرير القدس !! فالفلسطينيون شعب أدمن الذل وتكيف علي العيش تحت رحمة الجلاد ، فلو كانوا يمتلكوا رحابة الفكر الوطني لماتوا كمدا من شدة التحسر علي الذي يحدث لهم ، فالثأر عمر المختار في ليبيا رغم كبر سنه قال قولته المشهورة : نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت ، إذا لماذا لم ينتصر الفلسطينيون ولم يموتوا بل استسلموا ليناقضوا أيمان عمر المختار الذي كان عند مستوي كلمته فمات دون أن يستسلم !.
عبدالرحيم محمد سليمان