فالرئيس الجنوبي لم ترق له فى يوم من الأيام نظرية السودان الجديد التي أطلقها زعيمه الراحل قرنق. والأزمات العديدة التى نشبت بين الاثنين قبل رحيل قرنق وحتى بعد التوقيع على معاهدة السلام فى 2005 دارت جميعها حول هذا الأمر.
لم يكن الرئيس كير في يوم من الأيام يفكر فى أمر خارج دولة الجنوب المستقلة، وقد ماتت نظرية قرنق معه وتحطمت عقب تحطم طائرته فى أحراش الأماتونج فى حينها. ورثة قرنق أمثال عرمان والحلو عقار بسذاجة بالغة للغاية ساورهم الاعتقاد انه وكما حصل الرئيس كير على دولة الجنوب فإن من المفروض أن يعاونهم ليحصلوا على سودانهم الجديد!
المعادلة بدت عصية على التحقيق، فالرئيس سلفا كير يعلم فى قرارة نفسه مهما تغابى أو تذاكى أن هذا الهدف فى حكم المستحيل، فدولته الوليدة الهشة والتي بالكاد بدأت تتحرك وينتظرها الكثير لا تحتمل كلفة الحصول على دولة أخرى، ذلك أن واشنطن نفسها الدولة الأكثر قوة ومنعة عسكرياً واقتصادياً والأكثر تلاعباً بالأنظمة السياسية وتغييرها تبعاً لهواها جاء عليها يوم كادت أن تسقط اقتصادياً بفعل عجز مهول فى ميزانها الاقتصادي (الأزمة المالية العالمية) وأزمة (وول استريت)، بل ما تزال واشنطن تتعافى بالكاد من أثر تلك الأزمة رغم كل صولجانها وقضّها وقضيضها.
يضاف الى ذلك فإن الرئيس الجنوبي ما كان له أن يظل ممسكاً بدفة الأمور فى بلاده -ويده اليمنى تعبث بأمن السودان- فاليد اليسرى الواحدة لا تستطيع احتمال مضاعفات فى دولته الوليدة، فهناك مهددات قبلية، وهناك طموحات سياسية مشروعة وغير مشروعة لقادة لصيقين به يطمحون فيما يصل إليه (مشار نموذجاً) وهناك قضايا خدمية ملحة، وقضايا إنسانية جراء الاقتتال القبلي وقضايا النفط وكيفية تصديره ومشروعات البنى التحتية، وقضية الجيش الشعبي كجيش ما زال (تشكيل عصابي) يحتاج لعقود ليتحول الى جيش نظامي محترف.
هذه القضايا كانت ولا تزال تمسك بتلابيب الرئيس الجنوبي خاصة وأنه مقبل على استحقاق انتخابي بعد عام واحد، ومنافسيه يسدون قرص الشمس. من الطبيعي أن يأخذ الرجل – ولو للدفاع عن شرفه السياسي – خطوتين الى الوراء.
من جانب آخر فإن قادة القطاع والثورية نسوا أن الحركة الشعبية الجنوبية لو كان بمقدورها السيطرة على الخرطوم وحكم السودان كله لما رضخت لاتفاقية سلام كان من المحتمل أن تفقدها الاثنين معاً، دولة الجنوب والسودان، إذ لم يكن محققاً ماذا كانت ستكون نتيجة الاستفتاء من ناحية نظرية وقت التوقيع على المعاهدة السلمية. فكيف بهذه الحركة نفسها تنجح فى (حمل أبنائها في السودان) للحكم والسيطرة على السودان وإقامة مشروعهم الجديد؟
سودان سفاري
تحليل سياسي