لقد ظل الإخوان طوال تاريخهم أبعد الناس عن العنف والإرهاب لقد قضوا سنواتهم منذ اغتيال زعيمهم حسن البنا في 49 مرورًا بإعدام قادتهم في خمسينيات القرن الماضي أمثال عبد القادر عودة ومحمد فرغلي ثم في الستينيات أمثال سيد قطب، قضوا سنواتهم يعانون الأمرّين في سجون مصر منذ عبد الناصر حتى آخر أيام مبارك، لاقوا من التعذيب والقهر والقتل ما لا يخطر على بال بشر، ومن الأهوال ما تقشعر له الأبدان، وقد وثقت كتب من نجا منهم لتلك الأيام السوداء مثل كتاب «أيام من حياتي» للسيدة زينب الغزالي وهي شقيقة الداعية الإسلامي الأشهر محمد الغزالي، وكتب جابر رزق عن مجازر الإخوان في سجون مصر.
لقد تطرفت بعض الجماعات في مصر مثل الجماعة الإسلامية التي عانى منها النظام في مصر التفجيرات واستهداف السياح، وقُتل السادات على يد بعضهم، ولكن لم يدّع أيُّ مدَّع أن الإخوان كان لهم يد في أي تفجير أو اغتيال حصل في مصر منذ عهد السادات حتى نهاية عهد حسني مبارك، بل لقد تطرفت بعض هذه الجماعات بسبب ما رأوه موقفاً مستسلماً من الإخوان للقمع والتعذيب، وأدانوا الإخوان لأنهم رفضوا تكفير المجتمع الذي يتم تعذيبهم وقتلهم وسحلهم تحت سمعه وبصره، بهذه الرؤية كفّرت الجماعات المتشددة الإخوان في مصر باعتبار أن من لا يجرِّم الكافر فهو كافر.
إذن فقد لاقت الجماعة ما لاقت من الاتجاهين ومن المتطرفين من الناحيتين الإسلامية والعلمانية، وها هو الزمان يدور ليضع الإخوان في ابتلاء جديد، ويعود بهم للمربع الأول الذي عانوه لعشرات السنين ويراد لهم الآن أن يعانوه لأجيال قادمة وسنين طويلة آتية.
لقد ظل الإخوان رغم كونهم جماعة محظورة يقاتلون من أجل خوض الانتخابات في عهد مبارك كمستقلين وكان لهم بعض الممثلين في برلمان مبارك، و مارسوا العمل الاجتماعي بين الناس واعين بأن رسالتهم في الأساس رسالة إصلاح اجتماعي، وانتظروا في ثقة أن يأتي نظام بديل للأنظمة القمعية التي ما عرف المصريون غيرها منذ فرعون موسى، وعندما جاء ما انتظروه طويلاً في ثورة شهد العالم على عظمتها وكانوا هم وقودها ها هو ذا الوضع ينقلب عائداً إلى ما كان عليه، و كأن مصر لم يكتب لها الخروج من عهد قهر وظلم إلا لتدخل في عهد قهر وظلم آخر،
وأمّا إعلام مصر الذي حمل الطبول والدفوف مطبلاً مزمراً لفراعنته الجدد فما يصدق عليه إلا ما وصف الله به ملأ الفرعون القديم حين قال: «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين» فوصفهم بخفة العقول والفسق. ولعله أن يحيق بهم ما حاق بأولئك «فلما آسفونا انتقمنا منهم».
إنّ علمانيي مصر الذين يأملون أن تنتهي حملة القمع والقتل هذه بكسر شوكة الجماعة فلا تقوم لها قائمة واهمون، ولهم العذر فهم أعمى وأغبى من أن ينظروا فيفهموا التاريخ، ويعتبروا بعِبَرِه، إذ لو كانت مثل هذه الابتلاءات قادرة على محو الجماعة لاختفت الجماعة منذ أربعينيات القرن الماضي عقب مقتل مؤسسها حسن البنا واعتقال قادتها ومطاردتهم وقد كانوا بعدُ قليلي العدد، ليِّني القناة، أوَ بعد أن صلُب عود الإخوان المسلمين وامتد أثرهم في المسلمين عربهم وعجمهم وتمددوا فكراً وتنظيمًا في عشرات الدول والمجتمعات الإسلامية وليس العربية فحسب؟ أبعْدَ ثورة الإعلام التي جعلت حجْر الفكر وحظر تأثيره مستحيلاً من المستحيلات؟ أبعد أن صارت الصورة التي تنقل حقائق ما يدور من قتل متعمد للإخوان في مصر تغطي فضاء الإنترنت فتفضح أكاذيبهم وتدمغ صراخهم الكاذب فيزهق ويخفت صوته حتى يختفي أمام طوفان الحقائق الموثقة؟ أبعد كل هذا يرجو الخاسرون في دورتهم الجديدة ضد الجماعة أن يتمكنوا من محوها وإزالتها من الوجود؟ ذلك والله وهم بعيد وظن خائب، إنّ هذه الجماعة المجددة التي جاء من رحم فكرها المعتدل وفهمها المتقدم للدين ورسالته السامية القاصدة إلى البناء والتنوير، جاء الدعاة المجددون الذين نهضوا بالدين وتقدموا به إلى مربع رعاية الإنسان وتنميته وتزكية روحه، ونعِم العالم الإسلامي وأفاد من فكرهم المستنير الوسطي في التشريع والدعوة من أمثال الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ سيد سابق والشيخ فتحي يكن، وشيخ مجاهدي الأقصى الشهيد أحمد يس وغيرهم مئات، هذه الحركة لن تموت أبداً ستظل في ضمير هذه الأمة وقوداً كامناً لنهضتها، وقنبلة موقوتة ستنفجر مرة بعد مرة في وجه الظلمة والطغاة فلا يقر لهم قرار.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]