الطيب مصطفى : دروس وعبر من كارثة السيول (2)

[JUSTIFY]ختمتُ مقال الأمس بقصَّة مدينة نيو أورليانز الأمريكيَّة التي أوردها د. حسن عمر حين استكثر المسؤولون ورفضوا تخصيص (50) مليون دولار لإقامة سدود ثم كانت الكارثة الناجمة عن عدم تخصيص ذلك المبلغ والتي فاقت الـ (80) مليار دولار.
د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم أعلن عن دعم يبلغ عشرة ملايين جنيه أي عشرة مليارات جنيه بالقديم لتعويض المتضررين ممَّن فقدوا المأوى ولكن ذلك لن يحل المشكلة التي تحتاج إلى أضعاف ذلك المبلغ لإقامة معالجات دائمة حتى لا تتكرر ربما في العام القادم أو في الأيام القادمة.

مفوضيَّة العون الإنساني قالت إنَّ أكثر من (14) ولاية تأثرت وتستحق الدعم والتدخل الفوري لتقديم المساعدات فكم يا تُرى يبلغ حجم الدعم في كل أنحاء السُّودان قياساً على ما جرى في الخرطوم وإذا كان خبر الـ (14) ولاية قديماً فماذا عن أخبار الأمس التي تحدثت عن إجلاء (31) جزيرة مهدَّدة بالغرق في محليَّة أبو حمد لوحدها جرّاء الفيضان بل ماذا عن مئات الجزر والمناطق المنخفضة المنتشرة في شتى أنحاء السُّودان؟!.

د. حسن عمر والمهندس عبد الله عباس تحدَّثا باستفاضة خلال ندوة منبر السلام العادل عن أنَّ من بين طيات نقمة السيول والأمطار هناك نعمة كبرى لو أحسنّا توظيفها ستعود بخير عميم على البلاد بل إنهما لم يتحمَّسا كثيراً لإقامة السدود التي تحمي العاصمة بقدر ما تحمَّسا لاستغلال هذه المياه الوفيرة في إقامة مشروعات حصاد المياه من أجل الزرع والضرع ولستُ أدري أين أسامة عبد الله الذي يُعجبني فيه أنَّه قليل الكلام كثير الفعل؟! ليت وزارة السدود تخرج علينا بحديث يُزيل حالة الإحباط التي أصابتنا وتبشِّرنا بأنَّها بصدد التحرُّك للاستفادة من تلك المياه فقد أوردت في تقاريرها وفي مجلة السدود التي تصدر من حين لآخر نماذج من مشروعات حصاد المياه التي وطَّنت كثيراً من الرحَّل في كردفان وشرق السودان وغيرهما.
كذلك فإن تصريحات د. عبد الحليم المتعافي المتفائلة حول الآثار الإيجابيَّة على الموسم الزراعي بل على المواسم الزراعيَّة القادمة وعلى الحشائش التي ستملأ مناطق شاسعة من السُّودان لسنوات قادمات تنزل خيراً وبركة ونماءً ووفرة على القطيع السُّوداني.. كل ذلك يزيدنا اطمئناناً أنَّه ستخرج علينا من بين ثنايا المحنة منحة بل منحٌ كثيرة وكبيرة وكان من الممكن لهذه المحنة أن تكون أقل بكثير لو كنا قد تحسَّبنا واتَّخذنا من التدابير الوقائيَّة والتخطيطيَّة ما يلجم تلك الأمطار والسيول قبل أن تدهمنا بتيارها الجارف وهطلها المرعد.

مما أتحفتنا به الندوة من معلومات مفيدة حديث المهندس أحمد البشير عبد الله رئيس اتحاد المهندسين عن التوسُّع الأفقي العجيب للخرطوم التي تمدَّدت حتى وصلت إلى حدود الولايات الأخرى وبالرغم من ذلك فإنَّ أسعار الأراضي في الخرطوم أعلى من أسعار لندن ونيويورك في بلد مترامي الأطراف وذي كثافة سكانية متدنِّية وقد أجمع المتحدثون تقريباً بمن فيهم الوزير السابق د. شرف الدين بانقا على حقيقة مدهشة أنَّ الأرض أصبحت بل كانت من قديم في هذا السُّودان العجيب سلعة مربحة يتاجر فيها كل الشعب السُّوداني تقريباً وذلك ما منحها ذلك الطلب العالي الذي جعلها تنتفخ وتنفجر وتُفجِّر معها الخرطوم وتجعل منها قبلة لكل الشعب السُّوداني خاصَّة مغتربيه الذين بات معلوماً لكل منهم أنَّ الهدف الأول أن يسكن الخرطوم وإلاّ فلا فائدة من هجرته من موطنه إلى بلاد الاغتراب!!

أحمد البشير تحدَّث عن أهميَّة كبح هذا التمدُّد الأفقي واتخاذ التدابير اللازمة من أجل تحقيق هذه الغاية من خلال وقف الخطط الإسكانيَّة وتشجيع البناء الرأسي وكسر ثقافة (سيد الحيشان الثلاثة) وتحدَّث د. حسن عمر عن سياسات خاطئة تمنع التمدُّد الرأسي إلا لطوابق محدَّدة بل وتحد من التمويل العقاري في الخرطوم!!
لستُ أدري والله هل يصعب اتِّخاذ حزمة سياسات تتضمَّن مثلاً وقف ولاية الخرطوم الخطط الإسكانيَّة لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة مع التوسُّع في خطط الإسكان الرأسي وتغيير ثقافة الشعب السُّوداني في هذا الصدد واتِّخاذ سياسات موازية في الولايات وغير ذلك مما يمكن أن ينصح به أهل الرأي؟! طبعاً هذا لا ينبغي أن يكون على حساب الخطط الإسكانيَّة التي أُقرت بالفعل وشُرع في إنفاذها.
نواصل…

لمتابعة المقال الأول : الطيب مصطفى : دروس وعبر من كارثة السيول..(عندما تغرق العاصمة في شبر موية)
[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version