انتخابات زيمبابوي . . سخونة في الداخل وحذر في الخارج

[JUSTIFY]تبدو زيمبابوي من أكثر الدول الإفريقية التي تحظى باهتمام دوائر خارجية، ومهما كانت التطورات السياسية التي يمر بها هذا البلد، كبيرة أو صغيرة، تجدها محط تركيز من قبل جهات متباينة، ليس فقط لأن قيادتها الحالية شاخت في مواقعها، بل لأن هذه القيادة لديها تقاطعات مثيرة مع دوائر مختلفة، ودخلت في مناوشات سياسية كثيرة مع قوى غربية، بعضها له علاقة بالمصالح والتوجهات، وبعضها على صلة بما يجري من تجاوزات وانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي يمنح وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية فرصة للمزايدات السياسية، وهنا يتداخل الخاص بالعام، وفي كل مرة تتحول زيمبابوي إلى مادة دسمة على الأجندة الغربية .

الصورة الذهنية عن الأوضاع في زيمبابوي علقت في أذهان كثيرين، عندما أعلن الرئيس روبرت موغابي في 13 يونيو/ حزيران الماضي عزمه إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 31 يوليو/ تموز الفائت، من دون استعدادات مسبقة كافية، ومن غير استجابة للحد الأدنى من الإصلاحات السياسية الواجبة، التي كانت تطالب بها المعارضة، لذلك توقعت أوساط داخلية وخارجية أن تكون هذه الانتخابات مرحلة فاصلة في ملفات كثيرة، في مصير موغابي الذي يحكم منذ استقلال البلاد قبل نحو 33 عاما، وفي إجراء تغيير سياسي كبير لتحريك الانسداد الذي لازم هذه الفترة، وأيضا بالنسبة لمنافس موغابي القوي مورجان تشانجيراي زعيم حركة التغيير الديمقراطي، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وبدا المشهد على حاله تقريباً، وعلى غير المتوقع لم تحظ هذه الانتخابات بالاهتمام المنتظر، ويبدو أن نتائجها ستمر مرور الكرام .

موقفان متباينان

فقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز موغابي من الجولة الأولى بنسبة 61% من الأصوات، وحصل حزبه الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي الجبهة الوطنية (زانو بي إف) على حوالي ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية (137 مقعدًا من أصل 210)، في حين حصل منافسه في الانتخابات الرئاسية تشانجيراي على 34% فقط من الأصوات . وفور إعلان هذه النتيجة تفاوتت ردود الأفعال الداخلية والخارجية، ففي الوقت الذي أشادت فيه لجان المراقبة المحلية بنزاهة الانتخابات، شكك تشانجيراي فيها، وقدم طعنا أمام المحكمة الدستورية، وطالب بإعادتها بسبب قوله إنها شهدت مخالفات واسعة أثرت على نتيجتها، لكن الكثير من المحللين توقعوا فشل الطعن القانوني لحركة التغيير، لأنهم يعتقدون أن حزب موغابي الحاكم (زانو بي إف) يسيطر على مؤسسات الدولة ومفاصل السلطة القضائية .

على الصعيد الخارجي، يمكن التفرقة بين موقفين أساسيين، الأول إفريقي، وقدم دعماً كبيراً لموغابي وللانتخابات، حيث اعتبرت بعثة المراقبين التابعة لمجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة، ودعت تشانجيراي للاعتراف بهزيمته، كما وصفت جنوب إفريقيا عملية الاقتراع بأنها كانت ناجحة، ودعا الرئيس جاكوب زوما كل الأحزاب لقبول النتيجة، أما الموقف الأساسي الثاني فهو يخص الدول الغربية، التي جاءت غالبية تقديراتها متشككة في النتيجة، فالاتحاد الأوروبي عبر عن قلقه من المخالفات التي اعترت العملية الانتخابية وانعدام الشفافية، والولايات المتحدة قالت إنها لا ترى أن النتائج تعبير ذو مصداقية عن إرادة شعب زيمبابوي، بينما أشارت بريطانيا إلى شكوك كبيرة في النتائج، وطالب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بالتحقيق في التقارير التي تحدثت عن مخالفات في الانتخابات، ورغم التحفظات والانتقادات التي وجهتها دوائر غربية، غير أنها تبدو في نظر كثيرين لينة، وسلكت طريق الحذر في التعامل مع موغابي، مع أنه منع دخول مراقبي الاتحاد الأوروبي إلى بلاده، ولم تطرأ على سياساته تغييرات تشي بالرشادة السياسية مع الغرب، إذن لماذا لم تجد هذه الانتخابات أصداء واسعة في الغرب كسابقتها، وإصراراً على فضح التجاوزات التي جرى الحديث عنها؟

الواقع أنه يجب التفرقة بين انتخابات عام 2008 ونظيرتها التي جرت العام الجاري، فالأولى شهدت أعمال عنف وتوتراً وقلقاً، راح ضحيتها 200 مواطن من أنصار تشانجيراي، بينما الثانية مرت بسلام، ولم تشهد حوادث مؤثرة، ونظافتها في هذه المسألة أرخت بظلال إيجابية على الحكم، وحالت دون توجيه اتهامات لموغابي بارتكاب مجازر إنسانية، وهي أكثر القضايا التي تنكأ الجروح السياسية، كما أن موغابي البالغ من العمر 89 عاماً تبدو هذه فرصته الأخيرة في الحكم، وبالتالي ليس هناك حاجة لممارسة المزيد من الضغوط والعقوبات، والتي لم يؤد فرضها منذ نحو خمس سنوات إلى نتائج تجبره على تغيير موقفه والرضوخ للحسابات الغربية، بمعنى أن سلاح العقوبات لم يثنه عن توجهاته المناهضة لهم، وربما يكون حدث العكس، وازداد صلابة وقوة، وأفادته العقوبات معنويا، أضف إلى ذلك أن منافسه تشانجيراي سلك اتجاهاً قانونياً، وغير مستبعد أن يقبل بالنتيجة كما حدث في الانتخابات السابقة، حيث سلم بها وشغل منصب رئيس وزراء موغابي في حكومة شكلت باعتبارها حكومة وحدة وطنية، بعد انسحابه من الجولة الثانية من الانتخابات .
تغيير في الأولويات

من جهة ثانية، أصبح الغرب يميل إلى الاقتناع بعدم وجود انتخابات إفريقية نزيهة مئة في المئة، ولا يمانع في القبول بهامش أخطاء في القارة السمراء، ولا يخوض معارك نيابة عن آخرين، بذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن هذا الغرب الرسمي لم تعد ازدواجيته خافية على الأفارقة، ففي الوقت الذي يوجه انتقادات لانتخابات زيمبابوي سبق أن أشاد بانتخابات السودان عام ،2010 على الرغم من وجود تأكيدات بحدوث انتهاكات خطيرة في العملية الانتخابية، والأهم من كل ذلك أن الأجندة الغربية في الفترة الماضية تبدلت أولوياتها في إفريقيا، ولم يعد الاهتمام بالتطور الديمقراطي والنزاهة والشفافية في مقدمتها، فالعمليات الأمنية التي تشهدها منطقة الغرب والشمال الإفريقي، أضحت تحتل مكانة بارزة في السياسة الغربية، فهناك تنظيمات متشددة تنشط في كل من مالي والنيجر ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وتصل إلى الشمال، في كل من تونس وليبيا والجزائر ومصر، وكلها تمر بتطورات مهمة، يمكن أن تكون لها تداعيات على المصالح الاستراتيجية الغربية، ورأينا طريقة التعامل العسكري الفرنسي مع أحداث مالي، ومدى الدعم، الإقليمي والدولي، الذي لقيته القوات الفرنسية، لذلك فالسخونة على المستوى الأمني حتما ستكون لها انعكاسات على المستوى السياسي، والتفاصيل الملحقة به من انتخابات وخلافه، لكن سيظل ملف مكافحة الإرهاب في إفريقيا متصدرا جدول الأعمال الغربي .

على هذا الأساس، يمكن تفسير حالة عدم التشدد الغربي، أو اللامبالاة، كما يصفها البعض، مع نتائج انتخابات زيمبابوي، والتي حدت بآخرين بالإشارة إلى احتمال وجود صفقات سرية تمت بين دول غربية وموغابي، تقوم على تفاهم متبادل بشأن الحفاظ على المصالح الأمريكية والأوروبية مقابل غض الطرف عن تجاوزات الانتخابات، الأمر الذي لا أميل إلى تصديقه لسببين، الأول عدم اللجوء إلى هذه الحيلة في عز التوتر الذي أعقب انتخابات عام 2008 وأفضى إلى فرض عقوبات قاسية على هراري، والثانية أن موغابي من القيادات التاريخية التي تعي أن أي صفقات من هذا النوع يمكن أن تقضي عليه تماما، خاصة أنه يستمد جزءاً من مكانته الشعبية من تحديه لبعض القوى الغربية، وحتى ورقة علاقته بطهران التي تفتحها المعارضة من وقت لآخر لضربه سياسيا لم تأت بنتائج إيجابية حتى الآن، حيث نشرت صحيفة التايمز في 8 أغسطس/ آب الحالي تقريراً، أشارت فيه إلى أن زيمبابوي وقعت سرا عقدا لبيع اليورانيوم لإيران، خلال زيارة للرئيس السابق أحمدي نجاد لهراري في إبريل/ نيسان ،2010 وهو ما يعد خرقا للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتحريضا على زيمبابوي، ومحاولة يائسة لفرض المزيد من العقوبات على نظام موغابي .

الشاهد، أن السخونة السياسية التي تمر بها زيمبابوي لا تتناسب مع حالة الحذر التي تتصرف بموجبها معظم الدول الغربية، وهو ما يلقي بالمسؤولية على عاتق النخب المحلية، إذا أرادت تغيير قواعد اللعبة الداخلية، فالتعويل على الخارج لهز أركان نظام موغابي لم يعد مجديا، في خضم التحديات الأمنية (الإرهاب) المتناثرة من شرق القارة الإفريقية إلى غربها، ومن شمالها إلى وسطها .

صحيفة الخليج الاماراتية
محمد أبو الفضل

[/JUSTIFY]
Exit mobile version