«يوحشني» السودان على نحو خاص عند حدوث تطورات او ازمات سياسية حيث يتحول نصف السكان الى خبراء في شؤون الحكم والاستراتيجية، ويزداد عدد العالمين ببواطن الأمور وتكثر النوعية التي تتحدث بلغة: أمبارح كنا في الغداء عند عبد الرحيم وانفرد بي وقال لي كذا وكذا! ويمضي في الكلام بما يوحي لك ان وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين يخصه بأسرار البلاد والعباد! وكان لي فيما مضى صديق جخاخ والتقى في السبعينيات صديقا مشتركا وبدأ يحدثه عما قاله له جعفر والنكتة التي رواها له وكيف انه امر بتوصيله الى بيته بسيارة فارهة! فحسب الصديق المشترك ان جعفر عباس بلغ مرتبة من الثراء جعلته مصدر فخر لكل من يعرفه ولكن الجخاخ انفجر في وجهه قائلا: جعفر عباس بتاع مين يا متخلف؟ انا بكلمك عن جعفر نميري وانت بالك يروح للبربري المبهدل! النوعية دي انا قاطعتها! (خيرا فعلت يا ابن قراد الخيل). من أمتع الأشياء عندي ان أجالس أدعياء المعرفة والثقافة، لأنهم يعطونني الاحساس بأنني مش ساهل! وكان من بينهم صديق لصديقي الراحل العزيز خالد الكد، فكان كلما ناكفه خالد حول تخريجاته وتخريماته السياسية هدده بقوله: اصبر يا خالد، حتشوف، الأيام بينما (بالميم)! وبالتأكيد فإن الفوران السياسي الذي تشهده البلاد حاليا سيكون فرصة ذهبية للخبراء الذين يعتقدون ان البنكرياس مصرف يوناني اغلق أبوابه في الخرطوم بعد تطبيق نميري اشتراكيته العشوائية، وأن الأجسام المضادة هي الشيوعيون أو التجمع المعارض، وان الحجاب الحاجز من صنع الفكي ابو نافورة الذي يتحكم في نتائج مباريات الكورة (ولا يستطيع التحكم في معاش عياله!!!) وان هنغاريا هو الاسم اللاتيني للمجاعة، وان الشين بيت هو اسم حي الدعارة في تل ابيب، وأن الهستامين هو اتحاد العمال الاسرائيلي! وعلينا ألا نغتم لان من بيننا من يرتكبون مثل تلك الشطحات، فقد اثبتت استطلاعات للرأي في عدد من الدول العربية ان الجماعة لديهم «سقافة» عالية، فهناك من قال ان جمال عبد الناصر هو الجناح الأيمن لنادي الزمالك، وان ميشيل عفلق مطرب لبناني صاعد، وان ديغول هي الكلمة الفرنسية لـ «حارس المرمى»، وان كاسترو نوع من زيت الخروع، وان كارتر شركة طيران امريكية، وان رابعة العدوية هي اول امراة تشغل منصبا وزاريا في اليمن! وسئلت مجموعة من الشباب عن الشيخ محمد عبده فأجابوا في دهشة: مذ متى صار المطربون شيوخا؟ كتبت قبل أيام عن السوداني الذي كان ملطوعا في الشارع في منتصف الليل في الرياض وتوقفت سيارة فارهة وعرض عليه صاحبها أن يوصله، وكان خالد بن الملياردير الوليد بن طلال.. المهم اثناء الحديث سأل الزول صاحب العربة عن اسمه فقال: خالد بن الوليد، فرد السوداني: وأنا عمر بن الخطاب.
ومنذ ان قرات نتائج تلك الاستطلاعات لم اعد اضحك كلما تذكرت ذلك التلميذ في السنة الأولى بمدرسة ابتدائية في دولة خليجية، الذي طلبوا منه ان يؤدي مقطعا من النشيد الوطني السوداني فوقف منشدا: كده كده يا التريللا! وأذكر ان تلفزيون ام درمان أوفدني الى الفاشر في عام 1977 لاعداد بعض الافلام، واثناء تجوالي شهدت اجتماعا للمحافظ مع عدد من المزارعين فشل خلاله المحافظ في اقناعهم بإقامة مشروع زراعي حديث، وكان واضحا انهم يسيئون الظن بالحكومة، ووقف كبير المزارعين قائلا: «نحن ما عاوزين المشروع حتى لو الرئيس أزهري ذاته أدانا كل الضمانات»! وهنا قاطعه مزارع مثقف: انت من زمن أزهري؟ هسه الحكومة عبود! وكانت حكومة عبود قد رحلت قبل 13 سنة. [/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]